لماذا تحتوي المصاعد على مرايا؟ أسرار نفسية وهندسية في مرآة صغيرة داخل صندوق ضيق

 

ربما لم يخطر على بالك هذا السؤال من قبل، لكنك حتمًا لاحظت أن معظم المصاعد - سواء في الفنادق أو المستشفيات أو المراكز التجارية أو المجمعات السكنية - تحتوي على مرآة كبيرة تغطي أحد جدرانها.

فهل وجود المرآة في غرفة ضيقة مثل المصعد هو لمجرد "الزينة"؟ أم هل له أسباب تتجاوز الجماليات إلى الجوانب النفسية والهندسية وحتى الأمنية؟

في الحقيقة، وضع المرآة داخل المصعد لم يكن خيارًا عشوائيًا أو للديكور، بل جاء بعد دراسة دقيقة للاحتياجات النفسية والاجتماعية والتقنية للمستخدمين.

فكيف بدأت هذه الفكرة؟ وما دوافعها؟ ولماذا لا تزال مرايا المصاعد موجودة حتى اليوم؟

 

البداية في اليابان: حيلة نفسية ذكية

تعود أولى حالات استخدام المرايا داخل المصاعد إلى اليابان في خمسينيات القرن العشرين، عندما بدأت الشكاوى تزداد من مستخدمي المصاعد حول بطء حركتها، خاصة في المباني الشاهقة.

وكان من الصعب من الناحية الهندسية تسريع المصاعد في تلك الفترة، لكن المهندسين قرروا معالجة المشكلة بطريقة مختلفة، حيث تم صرف انتباه الراكب عن الزمن.

 

الحل؟ تركيب مرآة.

وما حدث بعد ذلك كان مدهشًا: انخفضت شكاوى الركاب بشكل كبير، ولم يعودوا يشتكون من بطء المصعد كما في السابق.

ببساطة، أصبح الناس يقضون وقت الانتظار في النظر إلى أنفسهم، أو تعديل ملابسهم، أو التحقق من مظهرهم… ومر الوقت دون ملل.

 

1- تقليلالتوتر والقلق في الأماكن الضيقة (Claustrophobia)

أحد أهم الأسباب النفسية وراء وجود المرآة في المصعد هو التخفيف من الإحساس بالضيق أو الخوف من الأماكن المغلقة، وهي حالة تُعرف بـ رهاب الاحتجاز (Claustrophobia). المصعد مكان مغلق، لا نوافذ فيه، ولا منفذ للضوء الطبيعي، وغالبًا ما يكون مزدحمًا. هذا يولد لدى بعض الأشخاص شعورًا بالاختناق أو القلق.

المرآة تمنح إحساسًا بوجود مساحة أكبر مما هو عليه الواقع.

فهي تعكس الجدران والركاب، وتُعطي انطباعًا بوجود عمق ومسافة، مما يقلل الإحساس بالعزلة أو الحبس داخل صندوق معدني.

 

2- عامل التسلية والانشغال

كثير من الأشخاص - دون وعي - ينشغلون بالنظر في المرآة عند دخول المصعد، إما لتعديل ربطة العنق، أو تسريح الشعر، أو حتى لمجرد التحديق في انعكاسهم.

هذا الانشغال البسيط يُعد وسيلة فعالة لتمضية الوقت وتقليل الشعور بالانتظار، خاصة في الطوابق العالية.

وهذا يُشبه تمامًا السبب الذي يجعلنا نضغط على زر المصعد عدة مرات: محاولة للسيطرة على الزمن والملل.

لكن هنا، تلعب المرآة دورًا أكثر فعالية في صرف الانتباه وجعل ثواني الانتظار تمر بشكل أسرع.

 

3- منع السلوكيات غير اللائقة وتعزيز الانتباه

وجود المرآة في المصعد يُعزز ما يُعرف في علم النفس الاجتماعي بـ "الوعي الذاتي العام" (Public Self-Awareness)، وهي حالة يصبح فيها الإنسان أكثر وعيًا لتصرفاته لأنه يرى نفسه، ويعلم أن الآخرين يرونه أيضًا.

هذا يؤدي إلى تقليل احتمالية القيام بسلوكيات غير لائقة مثل العبث، أو التحدث بصوت مرتفع، أو تجاهل الآخرين.

بمعنى آخر، المرايا تُشبه كاميرات المراقبة النفسية، تُذكّر الشخص بأنه مراقَب، ولو من قبل نفسه. وهذا يساهم في خلق بيئة أكثر احترامًا وهدوءًا داخل المصعد.

 

4- تحسين السلامة لذوي الاحتياجات الخاصة

أحد الأسباب العملية الحديثة لتركيب المرايا في المصاعد هو تسهيل حركة ذوي الإعاقة، وخاصة مستخدمي الكراسي المتحركة.

فعند دخول المصعد، يجد الشخص صعوبة في الالتفاف لرؤية الأزرار أو التأكد من موقعه، لكن وجود مرآة خلفية يسمح له بالرؤية بوضوح واتخاذ القرار بسهولة.

كما تُساعد المرآة كبار السن أو من يعانون من ضعف في الحركة على مراقبة خروجهم من المصعد، وبالتالي تقليل فرص الاصطدام أو السقوط.

 

5- استخدامات أمنية ومراقبة السلوك

بعض المصاعد - خصوصًا في الأماكن العامة أو الحساسة - تعتمد على المرايا كوسيلة غير مباشرة لزيادة الرقابة ومنع التحرش أو السلوك العدواني.

فبما أن كل شخص يمكنه رؤية نفسه والآخرين، تقل احتمالية وقوع سلوكيات غير مرغوب بها. كذلك، يمكن لأجهزة المراقبة رؤية كافة أرجاء المصعد عبر الانعكاس في المرآة.

 

مرآة صغيرة… لكنها أداة نفسية ذكية

مرآة المصعد ليست مجرد ديكور أو وسيلة لتحسين المظهر، بل هي أداة فعالة صُمّمت بعناية لتعالج مشكلات نفسية وسلوكية واحتياجات هندسية في مكان مغلق وصغير.

إنها تُخفف القلق، تشغل الوقت، تتيح المراقبة الذاتية، وتُسهل الحركة لمن يحتاجون للمساعدة.

إنه مثال رائع على كيف يمكن للتصميم الذكي المدروس - حتى في أبسط التفاصيل - أن يُحدث فرقًا كبيرًا في راحة المستخدمين وسلوكهم.

 

أمجد قاسم

X@amjad