بقلم: السيد نجم
صفة العولمة بالمعنى المباشر لا تناسب أية سينما في العالم إلا سينما هوليود، حيث أصبحت منذ النصف الآخر من القرن العشرين على رأس كل مراكز إنتاج السينما في العالم. أما وقد تغلبت "الرقمية" بما يحمل معنى الثورة في كل المجالات ومنها الإنتاج السينمائي، سواء في إنتاج الآلات السينمائية والتوزيع وخلافه.. جعل من الثورة الرقمية دفعا جديدا غير تقليدي، إلا أن السؤال: هل ستظل هوليود هي نموذج السينما العالمية مع شيوع تلك الثورة وانتشارها بين أرجاء العالم؟
تمثلت الثورة الرقمية في السينما الآن، في إنتاج آلات التصوير لا تحمل فيلما، بل قرص رقمي، فور انتهاء التصوير ينقل إلى الكمبيوتر لتتم كل (أغلب) خطوات إنتاج الفيلم، بلا حاجة إلى تحميض أو طباعة أو تلوين وخلافه. إذن تتم خطوات التصوير وتسجيل الصوت والمونتاج ثم العرض في خطوة واحدة، فضلا عن الجماليات التي يتيحها الكمبيوتر وحيله أثناء إعداد الفيلم.
تلك التقنية وحدها وبشكل مباشر، تعطى إلى ما يعرف بسينما المؤلف أو سينما المخرج زخما جديدا لم يكن متاحا من قبل.
بالممارسة العملية، أتاحت تلك التقنية الفرصة للفرق السينمائية الصغيرة، أو سينما البلدان الفقيرة، فرصة حقيقية لتجاوز مشكلات الإنتاج باهظة التكاليف التي ارتبطت مع أفلام 35مم الباهظة.. بالاضافة إلى عناصر الإنتاج الأخرى التي سيتم توفيرها. وهو ما عبر عنه "قانون مور" الذي يقول منطوقه: "أن قدرات معالج الكمبيوتر التقنية تتضاعف، ويقل ثمنها إلى النصف في نفس الوقت، كل 18-24 شهرا، مما يجعل سعر التجهيزات الكمبيوترية الرقمية تتناقص على نحو كبير وسريع".
أشار د.محمد فتحي في كتابه "السينما والعولمة" إلى عدد آخر من الفضائل، هي ما يمكن الإشارة
إليه أن الثورة الرقمية أثرت بشكل مباشر على كل خطوات الإنتاج السينمائي.. بداية بمرحلة ما قبل الإنتاج، حيث سهول التعديل بالحذف والإضافة إلى السيناريو، الذي بدور يمكن أن يكتب مشهدا فمشهد، ثم يوزع على الممثلين، مع إمكانية الحصول على أهم المعلومات وأخطرها خلال كل مراحل الإعداد السينمائي، مع إمكانية التعديل.
كما أن خطوة التنظيم العملي لتنفيذ السيناريو بعد كتابته، يمكن تنسيقها بربط المشاهد المختلفة بعنصر التصوير..إن كان ليليا أو نهاريا، أو تجميع المشاهد الخاصة بممثل معين معا..وغيرها من خطوات التنفيذ.
الطريف أن مشكلات الإنتاج باهظة التكاليف يمكن حلها بتلك التقنية، ذلك من خلال توظيف الكمبيوتر في تكرار الشخصيات وتصوير المشهد وكأنه بآلاف الجنود بينما لا يقوم فعليا على تنفيذه أعداد قليلة.
وقد تابع البعض بأن تلك التقنيات الجديدة سوف تقلل من قبضة المؤسسات الرسمية على الأفراد والجماعات، أو ما يمكن أن نصفه أيضا بالرقابة على فنون السينما، ذلك نظرا للإمكانيات الهائلة في نقل تلك الافلآم وإعادة نسخها من الأقراص المدمجة.
إلا أن الأمر لا يخلو من المشاكل، خصوصا بالنسبة للمنتجين، حيث يمكن تسجيل العرض الأول في السينما لأي فيلم بأي كاميرا رقمية، وبالتالي تنقل إلى أقراص أو طباعة "dvd".. وهي عملية قرصنة ليس من السهل ضبطها أو حصرها إلا بوسائل جديدة للضبط.
وقد اتجهت الأفكار التربوية الآن مع تلك التقنية الجديدة (السهلة) إلى أهمية تربية النشء عليها بهدف زيادة وتنمية الخيال الابداعي عند تلاميذ المدارس. وقد مارست فرنسا الفكرة وطبقتها مع تلاميذ من 6 إلى 11 سنة، بعد تعيين مدرس سينما بالمدرسة.
إن الامكانات الجديدة تلك قادرة على إتاحة الفرصة للتذوق الفني الحقيقي في شتى الفنون، حيث يمكن إنشاء الورش الفنية الصغيرة، التي يتم من خلالها مناقشة الأعمال بل ونقدها، مما يزيد من الثقافة العامة والفنية ثم النقدية بالتالي.
وليس من الإفراط الإشارة التي تلك التقنيات التي يمكن توظيفها بأجهزة الكمبيوتر، بما يفوق التوقع، إلى حد نقل الشخصيات من فيلم مصري إلى آخر بفيلم أمريكي (مثلا)، ومع توظيف تلك الإمكانية يمكن أن تتاح أفق جديدة لم تعرفها السينما من قبل. وهذا البرنامج نفسه يمكن تطبيقه في الحياة العملية بصورة جيدة واقتصادية، وهو ما اتبعته بعض الدول في تدريب الطيارين. فمن المعروف إن الطيار في حاجة إلى 30ساعة طيران شهريا للحفاظ على لياقته الفنية، ولأنها باهظة التكاليف، يمكن توظيف الكمبيوتر بفيلم معد سلفا وممارسة الطيران التدريبي!
لم تقف الثورة الرقمية عند حد، فهي تتجدد يوميا، سواء في تكنولوجيا الآلات أو الحيل التي يمكن توظيفها بتلك الحيل، وهو ما تبدى جليا في الحيل السينمائية الآن.
هناك الأفلام التي استخدمت فيها حيل "الزلزال" وكأنه الحقيقة، كل أفلام الخيال العلمي الذي خلق عوالم غير واقعية. ويذكر أن فيلم "الهاوية" هو أول فيلم استخدمت فيه حيلة الصور المخلقة من الكمبيوتر لمخلوقات فضائية.
وهناك الدوبلير الكمبيوتر الذي يوظفه المخرج بدلا عن الممثل في المشاهد الخطيرة. ولعل فيلم "المبيد-2" هو أشهر الأفلام التي بدت معه الحيل السينمائية بالكمبيوتر عالية التوظيف.. حيث تعتمد فكرة الفيلم على مخلوق مخلوق من مادة ذكية تتشكل بأشكال مختلفة ومتعددة.. وهو ما أتاحها الكمبيوتر بسهولة.
لا يبقى سوى الإشارة إلى سؤال جوهري وهام: أين السينما الرقمية العربية؟
لاشك أن هناك بعض المحاولات لتوظيف الكمبيوتر في بعض الأفلام، وهو ما يرجع إلى قدرة وحنكة المخرج.. إلا أن المرجو هو أن نعترف بأن الرقمية هي المستقبل، وأن توظيفها والاستفادة من معطياتها ليست حكرا على أحد، خصوصا تحت سماء العولمة الجديدة. فتلك الثورة تفتح أفقا جديدة في الموضوعات وفى فنون الإنتاج وفى التعليم والتذوق الفني، وأيضا في ممارسة الفنان لحريته.
السيد نجم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه