مدينة بجاية و التي سميت صالدى ،الناصرية،
وبوجي وتسمى"vgaiet"
ڤݘايث) هي اسم
خالد في تاريخ المغرب العربي بشكل عام والجزائر بشكل خاص أقام فيها الفينيقيون
والرومان والوندال والبيزنطيون خلال عصورغائرة في أعماق الماضي وعرفها
المسلمون حين أصبحت عاصمة للدولة الحمادية إحدى كبريات الدول الإسلامية المؤثرة
التي سادت الشمال الأفريقي فترة من الزمن.
فقد تمتعت "بجاية" في ظل الحماديين بسمعة وشهرة واسعة ، استمدتها من معاهدها الثقافية المتعددة وتجارتها الرائجة على الشاطئ الأفريقي ، واستقبالها للفارين من محاكم التفتيش بالأندلس كما اشتهرت بعد ذلك بقوتها البحرية التي دافعت بها عن شواطئ المغرب العربي كله فساهمت من ثم في الحفاظ على الحضارة والهوية العربية الإسلامية للمنطقة. وكان لعهود الازدهار الثقافي والانتعاش الفكري الذي شهدته بجاية لقرون عديدة أثر بالغ في أن تصبح قبلة العلماء وطالبي المعرفة ، فخرجت العلماء وأنجبت المفكرين والمبدعين رجالاً ونساء ولم تفقد تلك الشهرة وذلك إلى حين امتدت إليها أيادي المستعمرين فخربتها ودمرت ماضيها الزاهر.
وتحدث ابن خلدون في تاريخه عن مراحل تطورها : فأشار إلى أن حماداً تم بناءها على رأس المائة الرابعة وشيد بنياتها وأسوارها واستكثر فيها من المساجد والفنادق وأن الناصر بن علنّاس بني المباني العجيبة المؤنقة وأن المنصور بني فيها قصر الملك والمنار الكوكب وقصر السلام.
تأسيس بجاية :
ظلت قلعة بني حماد عاصمة للدولة الحمادية منذ عهد مؤسسها حماد الذي توفي سنة 419هـ وحتى عهد الناصر بن علناس بن حماد ، مروراً بعهود القائد بن حماد المتوفي سنة 446 هـ و محسن بن القائد ، الذي لم يستمر بالإمارة أكثر من تسعة أشهر , وعهد بلكين بن محمد بن حماد ، والذي يمكن اعتباره عهداً انتقالياً بين عهدي "محسن" و"الناصر " وذلك لما اكتنفه من أحداث داخلية...إلا أن "الناصر" كره الإقامة في القلعة بالرغم من أنها أصبحت في عهده عاصمة دولة قوية تشتمل على ست ولايات هي : مليانة وحمزة (البويرة حالياً ) ونقاوس وقسنطينة ، والجزائر ، ومرسى الدجاج ، وأشير .. فأسس بجاية وانتقل إليها في عام 461هـ وفي معجم البلدان كتب ياقوت الحموي يصف بجاية وسبب اختطاطها وما انطوي عليه من أحداث: ...مدينة على ساحل البحر بين أفريقية والمغرب كان أول من اختطها الناصر بن علناس بن حماد بن زيري في حدود عام 457هـ بينها وبين جزيرة مزغناي (الجزائر العاصمة حاليا ثم بنيت المدينة من لحف جبل شاهق ، وفي قبلتها جبال كانت قاعدة ملك بني حماد وتسمى "الناصرية" باسم بانيها .
ثانياً : في تأسيس الدولة العثمانية بالجزائر :
دخل العثمانيون الجزائر من بوابة بجاية.. ففي حدود عام 914هـ (1510م) غزا الإسبان بلاد المغرب العربي واحتلوا مدن سبتة ومليلة ووهران والمرسى الكبير والجزائر وبلغوا بجاية و كان عليها يومئذ صغيران ضعيفان يتازعان السلطة (عبدالرحمن وعبدالله) فاستعان كل منهما ضد الآخر بالإسبان – على طريقة ملوك الطوائف في الأندلس مما سهل مهمة الأعداء في دخول المدينة ، وتدميرها والقضاء على أميريها وعمرانها الأمر الذي دفع نفراً من علمائها أن يذهبوا إلى تونس ويدعوا أربعة أخوة عثمانيين , هم عروج وخير الدين وإسحاق وإلياس للقدوم إلى بجاية وتنظيم بحريتها وتوحيد صفوف المقاومة فيها ، وتخليصها من الإسبان ، إذ لم تكن الدويلات المغربية في ذلك الوقت من القوة بحيث يمكنها صد المستعمرين.
ولما جاء الإخوة العثمانيون إلى بجاية نظموا البحرية ، وأرسوا دعائم قيام دولة حديثة ثم دُعوا إلى مدينة الجزائر فأسس ثلاثة منهم فيها (حيث كان رابعهم وهو إلياس قد استشهد في بجاية) الدولة العثمانية الحديثة وكانت دولة مستقلة تماماً عن الدولة الأم ، وكان كل ما يصدر عنها يصدر باسم (الجزائر المحروسة) ولقد دافع العثمانيون بأساطيلهم وبحريتهم التي أعادوا تنظيمها في بجاية عن شواطئ المغرب العربي كلها والأندلس.
وقد تحامل بعض المؤرخين الغربيين ، أمثال شارل فيرو صاحب كتاب تاريخ المدن على دور العثمانيين لمدينة بجاية وإعادتها مركز إشعاع ثقافي حضاري كما كانت في عهد الحماديين , وزعم هؤلاء المؤرخون أن بجاية جردت من عظمتها كلها خلال العهد العثماني ، ولم تعد تؤدي سوى دور ثانوي في مصير أفريقيا الحديثة ويعزون ذلك إلى أن المدينة وقد خضعت للاستعمار الإسباني قرابة نصف قرن من الزمان تعرضت معالمها الثقافية والحضارية خلالها للإهمال ، وتهدمت أحياء كثيرة وتقلص عدد سكانها بنسبة كبيرة جداً ولما جاءها العثمانيون وطردوا الإسبان منها كانت قد فقدت كثيراً من العوامل التي تستطيع أن تصل ماضيها بمستقبلها.
ثالثاً : بجاية أيام الاستعمار الفرنسي :
قاومت بجاية واستعصت كثيراً على الغزاة الفرنسيين الذين لم يتمكنوا من احتلالها في عام 1934م إلا بعد أن استخدموا آخر ما انتجته مصانعهم من أسلحة الدمار في ذلك الوقت ولكنها لم ترضخ أو تستلم للاحتلال بل مضت تقاوم المحتلين وتحرض المؤمنين على القتال وتعد العدة لذلك روحيا وسياسياً وعلميا وكانت الزوايا وكتاتيب القرآن خلايا تنطلق منها كتائب الجهاد وشهدت ربوع بجاية تفجر ثورات عديدة لعل من أبرزها ثورة عام 1871م التي قادها محمد المقراني والشيخ بلحداد ـ وعمره يومئذ ثمانون عاماً ـ يعاونه ولداه (عزيز ومحمد وأتباع الطريقة الرحمانية التي كان بلحداد أبرز مشايخها) ، وبالرغم من أن الفرنسيين تمكنوا من إلقاء القبض على قادة الثورة في غضون عام تقريبا إلا أنها انتشرت بسرعة في مختلف المناطق وبقيت مستمرة حتى قال عنها بعض المؤرخين : إنها أطول ثورة .
رابعاً : مؤتمر الصومام
في مرحلة ما قبل الاستقلال كان لـ بجاية دورها العام في التحصين والإعداد والتحريض والتخطيط للثورة المنظمة التي تفجرت في فاتح تشرين الثاني (نوفمبر) 1956م فالمؤتمر الأول لجبهة التحرير الوطني الذي عرف بـ "مؤتمر الصومام " وكان إيذاناً ببداية مرحلة جديدة في جهاد الشعب الجزائري عقد بمكان غير بعيد من بجاية ففي قرية إيفري التابعة لبلدية أوزلاقن وفي موقع على رأس جبل عقد مؤتمر الصومام في 20 آب "أغسطس" 1956م
ولم تكن بجاية قبلة العلماء والمفكرين وحدهم ، وإنما ، وبسبب ذلك ، كانت غاية طلاب العلم , يشدون إليها الرحال من كل حدب وصوب قاصدين علماءها ومعاهدها التي بلغت شهرتها الآفاق ... كما لم يكن العلم وقفاً على الرجال دون النساء , فجامعة " سيدي التواتي " مثلاً كان يؤمها في يوم من أيام بجاية ثلاثة آلاف طالب منهم خمس مائة طالبة ويقال : إن إحداهن أوفدت إلى مؤتمر علمي فألقت محاضرة امتدت ثلاثة أيام وكان موضوعها حول علم الفلك والحساب الرياضي.
ويذكر المؤرخون أن هناك أكثر من ألف امرأة كانت تحفظ المدونة ، التي كتبها الإمام سحنون في الفقه المالكي عن ظهر قلب كما تحفظ القرآن الكريم .
وقد خلد الإمام عبدالحميد بن باديس ـ رحمه الله ـ دور نساء بجاية في نهضتها الفكرية في عبارته الشهيرة التي وصفهن بهاـ إلى جانب نساء بغداد وقرطبة ـ بأنهن بلغن مكاناً عالياً في العلم وهن محجبات.
ومما يؤكد أهمية بجاية والمكانة العلمية التي بلغتها في عهودها الزاهرة اتجاه غير المسلمين إليها وطلبهم العلم في معاهدها، فقد تعلم أهل بيزا الإيطاليون صنع الشمع من مصانعها ونقلوه إلى بلادهم ومنها إلى أوروبا ، ولا يزال يمسى الشمع عندهم (بوجي) مأخوذاً عن اسم بجاية كما أن العالم الرياضي الإيطالي الشهير (فليوناردو بيزة) تتلمذ على أيدي علمائها.
أعلام بجاية :
لقد تخرج من بجاية أعلام كثيرون في الفقه ، والأدب والشعر والطب والرياضيات وغيرها ... ورغم أن أبا العباس أحمد بن عبدالله الغبريني وضع كتابه "عنوان الدارية " للترجمة لمشايخه من علماء القرن السادس الهجري الذي يعد من أكثر قرون بجاية ازدهاراً في الحياة العلمية والتعليمية إلا أنه لم يأت عليهم جميعاً واكتفى بأن قال بعد أن أورد مجموعة منهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه