أعلان الهيدر

الجمعة، 16 يناير 2009

الرئيسية الحروب وتأثيراتها المدمرة على الحالة النفسية للإنسان

الحروب وتأثيراتها المدمرة على الحالة النفسية للإنسان

مروة كريديه

ربما أُتخم القارئ العربي تحليلاتٍ، وشبع معها مآسي، تُعرض في وسائل الإعلام هنا وهناك، لقد تبلد حسّ الإنسان، وأصبحت وعود السلام سرابًا، لعَطِشٍ تُنتَزَعُ روحه على رمضاء حربٍ يتجرعها في كلِّ آن، من فلسطين إلى العراق إلى لبنان.

فهل أصبحت صور المجازر جزء من مخيلة أطفالنا؟ وهل دمار الحروب والمجازر لا يطال إلا الأبدان؟

ربما تداعيات الجروح النفسية والجراح الروحية للشعوب، أشد وطأة على الإنسانية من الدمار الشامل.

لطالما خلّفت الحروب آثارا مدمرة على الشعوب، وأدت إلى تغيير في ملامح الحضارات عبر العصور، من خلال تدمير الرموز والمعالم الحضارية خلال المعارك، وقد ارتبط التاريخ البشري بالحروب ارتباطًا وثيقًا، حتى أنه يمكن القول أن التاريخ الذي يُدرس في المناهج الدراسية اليوم يكاد ينحصر في تاريخ الحروب والغزوات.

ومع تطور وسائل الاتصال والتطور المخيف لآلة الحرب وتكنولوجياتها المدمرة لم يعد في الإمكان حصرُ الآثار المترتبة عليها في بقعة جغرافية واحدة فالآثار السلبية تطال حتى المُشاهد في مناطق بعيدة عن ساحات القتال والآثار النفسية غالبًا ما كون عميقة خصوصا عند الأطفال وعند الأسوياء من الناس، لِمَا يشاهدونه من مشاهد تعذيب ودمار وهتك لحرمة الإنسان الجسدية والمادية والمعنوية.

وأمست التداعيات أكثر شدّة على الأصعدة كافة بما فيها النفسية والإيكولوجية والاقتصادية والروحية التي تطال الإنسانيةَ ككل.

وتعاني المجتمعات التي تعيش حروبا مستمرة كما في فلسطين والعراق و لبنان من فوبيا تكرار المآسي الإنسانية، وخلال سبر الآراء ميدانيًّا من أفواه المنكوبين او ممن عايشوا المحن، نجد أن معظمهم غير مقتنع بجدوى المساعي السياسية، فحتى في حالة السلم الأخيرة مازال المواطن العربي يعيش ضمنيا حالة ترقب العدوان.

ونجد أن مقدمات الحالات النفسية المرتبطة بالعدوان تبدأ في الظهور حتى قبل عملية القصف أو الغارات، فغالبًا ما يرافق المنشورات التي ترمى أثناء الحروب حالات ذعر عند الأفراد، ومجرد سماع صوت الطائرات الاستطلاعية ممكن أن يولد القلق والتوتر يصاحبه فترة الانتظار والترقب، ومن الأعراض النفسية التي تنشأ عن ذلك الضجر والعصبية الزائدة، ومشاعر الخوف والرهبة، كما تظهر الكثير من الأعراض المرضية مثل الرعدة والغثيان وخفقان القلب واضطراب النوم والصداع والهزال.

وكل هذه الاضطرابات نتيجة للحالة الانفعالية في فترة الانتظار حيث يعمد الأهالي إما للنزوح السريع من شدة الخوف أو التحضير السريع وتأمين ضروريات الحياة الأساسية، وتشير الدراسات أن طول هذه الفترة تحت تهديد هجوم متوقع للعدو او احتمال التعرض لغارات جوية له تأثير سيئ جدا على الأطفال خصوصًا من هم في أعمار الثامنة وحتى الرابعة عشر.

ويكفي أن نعلم أن 25% من الإصابات التي يتم إجلائها،هي حالات هلع وذعر، بمعني ان حالة واحدة بين كل أربع إصابات يتم إخلاؤها أثناء القصف يحتاج إلي التدخل العاجل، كما ان 30 % من القتلى ومن الإصابات البالغة هي لأطفال دون الثانية عشر من العمر.

أما الإصابات النفسية أثناء الحروب فإنه للأسف لا يتم تسليط الضوء عليها في المستشفيات، علمًا أنها تُسجل الكثير من الإصابات النفسية، لان الإصابات المباشرة هي التي تحظى بالاهتمام وفي العراق فإن الإصابات المباشرة فاقت كل التوقعات والمستشفيات أصبحت عاجزة عن استيعاب المصابين بها ومن الحالات المسجلة: الشلل الهستيري، أزمات تنفس خانقة نتيجة للتوتر النفسي، زيادة معدل الإرهاب والعنف، وتبلد المشاعر والفزع والذهول.

وكلها أعراض تصنف تحت حالة اضطراب ضغوط الصدمة التي تعرف اختصارا بالحروف “بى تى إس دى”، وتسبب اختلال الاتزان النفسي والإدراك والتفكير، وفقدان الشخص للسيطرة علي انفعاله، فيظل في حالة ذهول ورعب، ويستعيد مشاهد القتال الرهيبة ولا يقوى علي التركيز أو الاستجابة للمحيطين به، ولا يستطيع النوم من هول الكوابيس المزعجة رغم ابتعاده عن أماكن القتال.

وتشكل نسبة اضطراب ما بعد الصدمة ما بين 60 الى 80 % في الأطفال بفلسطين ويتوقع أن تكون أكثر من ذلك في العراق ولبنان مع غياب الاحصاءات للحالات النفسية، لانه ليس بالضرورة أن يتعرض الإنسان بنفسه للماسي، ولكن يكفي مشاهدة النيل من الأقرباء مثل الأب أو الأخ، أو تعرض لأنواع الإهانة الذاتية الشديدة التي تؤثر على كبرياء الإنسان، وهناك ثلاثة أعراض مهمة لاضطرابات ما بعد الصدمة منها: أن الإنسان يحدث له استرجاع لأحداث المؤلمة، وكوابيس ليلية وأحلام يقظة تشملها الصور الخاصة بالمجازر أو بمشاهد العنف، كما يحاول الإنسان تجنب أي صورة أو فكرة أو شيء يذكره بهذا الحدث المفجع.
  
فغالبا ما يتذكر المريض الحدث باستمرار بحيث يحدث تجميع للأفكار داخل مخه في هيئة صورة أو فكرة او أدراك ويتكرر ذلك بصفة مستمرة، كما أنها تحدث تنميلا وتبليدًا في عواطفه ويعني هذا أن كل احساساته يكون فيها نوع من اللامبالاة والتنميل وبالتالي فانه يتجنب الجلوس مع الناس والحديث عن هذا الموضوع، كما انه يتجنب كل نشاط أو مكان أو أناس يكون لهم علاقة بهذا الحدث، فهذا المريض يشعر بأنه أنفصل عن المجتمع وإحساسه بالحب والعاطفة تتجمد فهو لا يرى أي شكل للمستقبل والماضي والحاضر، فهو يعيش داخل الحادث فقط.

والآثار النفسية السلبية تؤذي الأطفال أكثر من الناضجين لأنها تصيب المخ بحساسية وتغيرات في نسيجه،وتشير الدراسات النفسية إلى أن 80% يتعرضون الى صدمات منهم 8% يصابون بالاضطرابات ما بعد الصدمة، ووجد أن الانسان عندما يتعرض الى كرب يحدث تغيرات كثيرة للجهاز العصبي، والهرموني، وتفرز هرمونات خاصة بالكورتيزون الذي يسبب اذا استمر الكرب ضمورا في الخلايا العصبية في مراكز المخ المسئولة عن المزاج والتعلم والذاكرة والتوافق مع كروب الحياة فيصبح الانسان مهلكا بشكل شديد.

ويكفي أن نشير أن الولايات المتحدة رصدت مبلغ 200 مليار دولار أمريكي للحرب الأخيرة على العراق في وقت يعيش حوالي 300 مليون إنسان تحت خط الفقر في أفريقيا، فمهما كانت دوافع الحروب وأهدافها تبقى مدمرة، كما تؤدي ال عواقب نفسية تطال الأجيال الحالية واللاحقة.

وأخيرا يبقى القدر المشترك لجميع البشر على وجه الأرض، القدر الأول والأخير هو أننا ننتمي الى بني البشر, وكائنات تُوصف بالإنسان، وقدرنا أننا نعيش في منطقة توصف بالساخنة، ومن حقنا كبقية بني البشر أن نحيا بسلام، ومن حق الكائن ان يشعر بأمان، سنقاوم الظلم نعم، وسنواجه العنف نعم، سندافع عن الإنسان أينما كان، سنحمي أشكال الحياة، سنقاوم الهمجية بالحياة، ربما بالحب وبقلب كبير، لا ينسى لحظة انه إنسان.
عن شمس للمقالات العلمية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه

يتم التشغيل بواسطة Blogger.