بقلم: رجب سعد السيد
تشير الإحصائيات (وإن كانت غير حديثة، نسبياً، إلاَّ أنها ذات دلالة) إلى اتساع مساحة الأراضي التي تزرع بمحاصيل معدَّلة وراثياً. لقد ازدادت هذه المساحة، في العام 2002، بمقدار 15 مليون أكر (الأكر وحدة مساحة إنجليزية قدرها 4 آلاف متر مربع)، ليبلغ إجمالي هذه المساحة، في العالم كله 145 مليون أكر، وهو رقم يمثل 35 ضعفاً لما كان عليه الوضع في عام 1996. وكان يعمل في هذه المساحة، التي توزعت في 16 من بلدان العالم، ستة ملايين عامل زراعي.
وقبل عام واحد من تاريخ هذه الإحصائية، أي في العام 2001، كان عدد الدول التي تعتمد التقانيات الحيوية في مجال المحاصيل الزراعية 13 دولة؛ وكان عدد عمال الزراعة أقل بمقدار مليون. وتشير هذه الزيادات المتسارعة والمؤثرة إلى تغير واضح في النظرة إلى هذه التقانيات المستحدثة، التي دار، ويدور، حولها جدل كبير؛ فالاعتراف بها يتنامى. ويؤكد ذلك أن 20% من الإنتاج العالمي من محاصيل زراعية مهمة، مثل فول الصويا والأذرة والقطن والكانولا، خضع لدرجات متفاوتة من المعالجة بتقانيات حيوية، لتعديل وتحسين الصفات.
إن التدقيق في تفاصيل المؤشرات الرقمية يلقي مزيداً من الضوء على مدى الإقبال العالمي على زراعة محاصيل التكنولوجيا الحيوية؛ فبالنسبة للقطن، لم تزد المساحة المزروعة بالقطن المعدل، في العام 2002، عن العام السابق، وثبتت عند رقم 8.16 مليون أكر. أما المساحة المزروعة بالأذرة المعدلة وراثياً، فقد ازدادت بنسبة 27% لتصل إلى 6.30 مليون أكر في العام 2002؛ وازدادت مساحة أراضي محصول الكانولا المعدل بنسبة 11% فأصبحت 4.7 مليون أكر في العام ذاته؛ أما فول الصويا فقد جاء في المقدمة، إذ قفزت مساحة الأرض المزروعة بالسلالات المعدلة من هذا المحصول الغذائي والاقتصادي المهم إلى 2.90 مليون أكر في عام 2002، وإن كانت نسبة هذه الزيادة لا تتجاوز 10%. والجدير بالذكر، أن هذه المساحة المزروعة بفول الصويا المعدل كانت تساوي، في ذلك العام، نصف إجمالي كل زراعات فول الصويا في العالم.
وكانت الولايات المتحدة، ولا تزال، تتصدر دول العالم التي تسمح بزراعة المحاصيل المعدلة وراثياً، تليها الأرجنتين، ثم كندا، فالصين، بنسب 66% و23% و6% و4%، على الترتيب، من إجمالي مساحة الأراضي المزروعة بهذه المحاصيل، على المستوى العالمي.
وقد شهد ذلك العام - 2002 - إقبالاً ملحوظاً من دول العالم الثالث على إدخال تقانيات حيوية في مجال المحاصيل الزراعية، ومن هذه الدول، الهند وكولومبيا وهندوراس، التي تطبق هذه التقانيات على محصولي القطن والأذرة؛ أما الفلبين، فقد أنتجت سلالة جديدة من القمح، أجازت زراعتها هذا العام.
والملاحظ، أن ثلاثة أرباع الفلاحين الذين يزرعون المحاصيل المعدلة وراثياً هم من المزارعين الصغار، في دول فقيرة أو نامية، ارتضوا التقانيات الحيوية، ووثقوا بها؛ إذ قدمت لهم حلولاً معقولة لمشكلة الآفات الزراعية، وأغنتهم عن استخدام المبيدات الحشرية؛ كما قدمت لهم سلالات جديدة تتحمل مبيدات الحشائش. كما شجع هؤلاء الزرَّاع الفقراء ما تحقق لهم من مردود، إذ زاد دخلهم من الأكر الواحد المزروع بالمحاصيل التي اكتسبت صفات تقاوم الآفات الزراعية؛ فقد حققت زراعة القطن الصيني المعدل وراثياً زيادة قدرها 200 دولار لكل أكر؛ كما أن القطن المعدل المزروع في جنوب إفريقيا، حيث أغلب العاملين بالزراعة من النساء، وفَّر الوقت الذي كان يضيع في مقاومة آفات القطن، لتنفقه العاملات الزراعيات في أنشطة أخرى تزيد من دخولهن، أو لرعاية بيوتهن.
وبالإضافة إلى ذلك، يقول أحد العلماء المتحمسين للمحاصيل المعدلة بالتقانيات الحيوية، فإن هذه المحاصيل قللت من استهلاك المبيدات الحشرية؛ وعلى سبيل المثال، فإن محصولاً واحداً، هو القطن، قلل الاستهلاك العالمي من هذه المبيدات بمقدار 33 ألف طن، في العام 2002، أي بنسبة 40% من المبيدات التي ترش في حقول القطن في العالم. كما أن زراعة 6 محاصيل أخرى، معدلة وراثياً، بالولايات المتحدة الأمريكية، وفرت استخدام 23 ألف طن من المبيدات، كانت تتطلبها زراعة السلالات الأصلية، غير المعدلة، من هذه المحاصيل. إن المردود الاقتصادي لتقليل كمية المبيدات لا يتمثل، فقط، في قيمتها النقدية، ولكن يضاف إليها التكلفة البيئية، المتمثلة في قيمة ما يمكن أن يلحقه استخدام هذه الكمية من المبيدات بصحة البيئة وصحة البشر من أضرار، وتكلفة إصحاحها.
الجدير بالذكر، أن حجم التعامل في سوق المحاصيل المعالجة بتقانيات الحيوية كانت قيمته 3.8 بليون دولار، في العام 2001، ارتفعت إلى 4.25 في العام 2002؛ ثـم قفزت إلى خمسة بلايين دولار في عام 2005.
رجب سعد السيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه