في عالم تتسارع
فيه علامات التقدّم في العمر، وتتهاوى فيه القدرات الذهنية لدى الكثيرين مع مرور
السنوات، برزت شخصية فريدة كسرت هذه القاعدة، وأثبتت أن العقل يمكن أن يحتفظ
بمرونته وطاقته حتى المئة وما بعدها.
إنها ريتا ليفي-مونتالشيني، عالمة الأعصاب الإيطالية التي واصلت عملها العلمي حتى بلغت 103 أعوام، بعقل متقد وكأنها في ربيع شبابها.
من هي ريتا ليفي-مونتالشيني؟
وُلدت ريتا عام 1909 في تورينو بإيطاليا، لعائلة يهودية تعتز بالعلم والثقافة. درست الطب وتخصّصت في علم الأعصاب. رغم العوائق التي واجهتها خلال الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك الحظر على عمل العلماء اليهود في المؤسسات الرسمية، لم تتخلَّ عن العلم، بل أنشأت مختبرًا في غرفة نومها.
إنجازات بارزة:
جائزة نوبل في الطب (1986) عن اكتشافها لعامل نمو الأعصاب (NGF)، وذلك عن عمر 77 عامًا.
تعيينها عضوة دائمة في مجلس الشيوخ الإيطالي (2001) وهي في سن 92.
مواصلة عملها البحثي والعلمي حتى وفاتها في عام 2012 عن عمر 103 سنوات.
سر شباب عقلها: 5 عادات يومية خارجة عن المألوف
الطول الاستثنائي لعمرها العقلي والذهني لم يكن وليد الصدفة. كانت ريتا تدرك جيدًا أسرار الحفاظ على الدماغ حيويًا، واتبعت خمس عادات غير تقليدية ساعدتها على ذلك:
1. الاستيقاظ المبكر
ريتا كانت تستيقظ في وقت الفجر تقريبًا. كانت تؤمن أن الذهن في أفضل حالاته خلال الساعات الأولى من اليوم، وتبدأ يومها بالتأمل، القراءة، أو الكتابة. عقلها يبدأ بالعمل قبل أن يستيقظ العالم من نومه.
2. وجبة واحدة فقط يوميًا
اتبعت نوعًا من الصيام المتقطع، حيث كانت تتناول وجبة خفيفة غنية بالعناصر الغذائية مرة واحدة يوميًا. هذا الأسلوب ساعدها في تقليل الالتهابات، وتحفيز إنتاج الخلايا العصبية، وتعزيز التركيز.
3. التعلّم المستمر
حتى في عمر المئة، لم تتوقف ريتا عن تعلّم أشياء جديدة. كانت تقرأ، تكتب، وتحضر المؤتمرات العلمية. الدماغ الذي يُستخدم بانتظام، يبقى شابًا، وكان هذا مبدأها.
4. تحويل الصعوبات إلى فرص
واجهت ريتا التمييز العنصري، والفقر، والمنفى. لكنها كانت ترى في كل تحدٍّ فرصة للنمو الداخلي. كانت تعتقد أن الضغط يصقل الشخصية، ويحافظ على يقظة الدماغ.
5. الإسهام في شيء أعظم
حتى آخر أيامها، كانت تعتبر أن حياتها لها معنى فقط إذا خدمت الآخرين. سواء من خلال أبحاثها أو من خلال دعمها للتعليم في إفريقيا، حافظت على إحساسها بالغاية والهدف، وهو عنصر جوهري في الصحة العقلية طويلة الأمد.
ما الذي يمكن أن نتعلمه منها؟
تجربة ريتا ليفي-مونتالشيني تُعيد تعريف ما تعنيه الشيخوخة. لم تكن تحارب التقدّم في العمر، بل كانت تتصالح معه وتستثمره. كانت تقول:
"جسدي قد يتدهور، لكن عقلي وروحي لا يعرفان الشيخوخة."
من خلال البساطة، والانضباط، والشغف بالحياة، استطاعت أن تعيش قرنًا من الزمن بعقل شاب.
ليست المعجزات ما يصنع العظماء، بل الالتزام بعادات يومية بسيطة لكنها قوية التأثير. ريتا ليفي-مونتالشيني لم تعش فقط حياة طويلة، بل عاشت حياة ذات معنى ووعي. لقد منحتنا وصفة بسيطة ولكن فعّالة لبقاء عقولنا شابة: استيقظ مبكرًا، تغذى باعتدال، تعلّم باستمرار، لا تخشَ التحديات، وابحث دائمًا عن هدف أسمى.
هل نبدأ نحن أيضًا بتبنّي هذه العادات اليوم؟
ربما نكون بذلك قد خطونا أول خطوة نحو شبابٍ ذهنيٍ
دائم.
أمجد قاسم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه