تلعب المبيدات الزراعية دورا هاما في حفظ المحاصيل الزراعية من الآفات التي يمكن أن قضي على ثلث الغلال في العالم
حسام عبد القادر *
أصبحت كلمة مبيدات هي المرادف الطبيعي للأمراض، ويتبادر للذهن بمجرد النطق بها الإصابة بالسرطان، إلا أن ورشة العمل الدولية التي نظمتها مكتبة الإسكندرية حول متبقيات المبيدات على المنتجات الزراعية في الدول الإفريقية كشفت مفاجأة مهمة، هي أن المشكلة ليست في المبيدات نفسها، وإنما في طريقة استخدامنا لها، فالاتهام موجه للإنسان أيضا، وليس للمبيد في حد ذاته؛ لأنه دون استخدام المبيدات في المنتجات الزراعية لقل المحصول إلى الثلث، وعانى العالم من المجاعة.
وقد أطلقت ورشة العمل - التي انعقدت في الفترة من 2 إلى 5 أبريل 2009 واشترك فيها 45 باحثا يمثلون 24 دولة إفريقية - مبادرة عالمية حول متبقيات المبيدات الزراعية وتقنين استخدامها من أجل الحفاظ على صحة الإنسان أينما كان وعلى سلامة البيئة مع المحافظة على نمو الإنتاجية الزراعية في كل بلدان العالم، من أجل تأمين الاحتياجات الغذائية للإنسان اليوم وفي المستقبل، فبدون هذه الاحتياجات سوف ينتشر الفقر وتستشري الأمراض وينهار السلم العالمي.
ويقول الدكتور صلاح سليمان، الأستاذ بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية ومستشار مدير المكتبة والمشرف على الورشة، إنه تم خلال ورشة العمل بحث تسجيل مبيدات جديدة آمنة، وسبل تقوية العلاقات والشراكات الإقليمية، وتطبيق معايير "كودكس" للحد الأقصى المسموح به من مبيدات المحاصيل الزراعية في دول إفريقيا.
وأوضح سليمان أنه لا يوجد دولة لا تتعامل مع المبيدات في منتجاتها الزراعية، ولكن كل دولة تقوم بوضع نسبة من المبيدات تختلف عن الدولة الأخرى؛ لذلك قررنا الدعوة لتوحيد هذه النسب بين الدول الإفريقية، وحاولنا إقناع المنظمة الخاصة بقانون الغذاء التابعة لمنظمة الصحة العالمية بأخذ المبادرة للاتفاق على قيم محددة متوافق عليها لمتبقيات المبيدات على المنتجات الغذائية، بحيث يؤدي ذلك للحفاظ على صحة المواطنين في مختلف الدول مع المحافظة أيضا على سهولة انتقال المواد الغذائية بين دول العالم.
اتفاق مشترك
واتفقت الدول المشاركة بمطالبة المجتمع الدولي ممثلا في لجنة قانون الغذاء بتوحيد القيم المسموح بها من المبيدات على المنتجات الزراعية في العالم والاعتراف بهذه القيم عند تبادل المنتجات الزراعية في أسواق التجارة العالمية، كما اتفقوا على مجموعة من المحاصيل المهمة بالقارة الإفريقية للبحث عن وضع قيم لمتبقيات المبيدات عليها والتوصية باستخدام مبيدات آمنة عليها، بحيث يشجع ذلك على تبادل منتجات في إفريقيا مثل العنب والطماطم والبصل والجوافة، وتم الاتفاق على تبادل الخبرات وتبادل ما لدى كل دولة من معايير تعمل بها عند تسجيل المبيدات، تهيئة لتوحيد تلك المعايير في المستقبل.
واعتبر سليمان أن هذه الخطوة ستعطي الفرصة لأن يكون هناك معاملة بالمثل لكل الدول المصدرة والمستوردة وسيتبع ذلك سهولة انتقال مركز التجارة في المنتجات الزراعية بين الدول وزيادة الشفافية فيها، مما ينعكس على دعم اقتصاديات الدول المنتجة والمستوردة لتلك المنتجات الزراعية بالاتفاق على مقاييس موحدة للمبيدات المستخدمة في الزراعة والمعدلات التي تستخدم فيها، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى أن الدول المنتجة للغذاء تستطيع أن تصدر كميات أكبر، وبسهولة، وفى نفس الوقت يمكن للدول المستوردة أن تحافظ على صحة مواطنيها، وعدم الإنفاق أو زيادة التكلفة عن طريق متابعة شديدة لمتبقيات المبيدات على مستهلكي تلك الدول.
انتعاش اقتصادي
وتعليقا على تلك المبادرة أعرب الدكتور أمين أباظة، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي المصري، عن أهمية وضع معايير مشتركة للتحكم في مخلفات المبيدات على المنتجات الزراعية لتحقيق شفافية تضمن أن يكون ما يتعرض إليه المواطنون المحليون في بلد ما، بل في كل قرية فيها، من متبقيات المبيدات على غذائهم لا يزيد أبدا على المستويات التي يقبلها المستوردون لذلك الغذاء في أكثر الدول محافظة على صحة وسلامة شعوبها.
واعتبر أباظة أنه بمثل هذه المعايير الواضحة والشفافة يمكن لنا أن نثق فيما نأكل وفيما نشرب بأقل قدر من المخاطرة واضعين أمام ناظرينا أننا لا نأكل منتجا زراعيا واحدا بعينه، وإنما أنواع كثيرة وبكميات متفاوتة، وأن تلك المنتجات لا تحتوي على متبقيات من مبيد واحد بعينه، وإنما خليط من هذا وذاك، ولذلك تأتي هذه المبادرة الخلاقة - إن كتب لها النجاح - لتسهل من انتقال المواد الغذائية والاتجار فيها بين كل دول العالم.
وقال إن تلك المبادرة ستقودنا بالضرورة إلى انتعاش في الاقتصاد العالمي نحن اليوم أكثر حاجة إليه من أي عهد مضى في ظل هذه الأزمة الطاحنة التي نعاني منها جميعا، والأمل أن تتصدى الدراسات والمناقشات لوضع تعريفات ومعايير تضبط التوصيات الخاصة باستخدام المبيدات، ليس فقط على المحاصيل الرئيسية، وإنما أيضا على تلك المحاصيل الزراعية التي لا ينتج منها الكثير، كبعض الخضراوات والفاكهة والتوابل، والتي تلعب دورا لا يمكن الاستغناء عنه في حركة التجارة الزراعية العالمية، وأن تسفر المناقشات عن رؤى وأفكار عالمية حول الموضوع، ومسائل خاصة حول توحيد الجهود في عمليات وضع المعايير والدراسات واللوائح اللازمة لضبط تسجيل وتداول المبيدات بين جميع دول العالم سعيا إلى عدم تكرار المجهودات المبذولة في هذا المجال.
المبيدات.. ضرورة ملحة
وأكد الدكتور أمين أباظة أن الإنتاج الزراعي العالمي يتوقف بدرجة كبيرة على استخدام أدوات للمحافظة على صحة وسلامة المحاصيل والمنتجات الزراعية بكل أنواعها النباتية والحيوانية، فضلا عن البيئات التي تزرع أو تربي فيها، ويقف في مقدمة هذه الأدوات استخدام مبيدات الآفات.
وأوضح أن الحفاظ على صناعة الزراعة لن يتم دون استخدام تلك المبيدات، بل إن صحتنا نحن البشر تعتمد أيضا ضمن ما تعتمد سواء بالطريق المباشر أو غير المباشر على استخدام مبيدات الآفات من أجل مكافحة أمراض خطيرة تنقلها إلينا آفات حاملة لها.
واعتبر د. صلاح سليمان أنه حتى الآن لا يستطيع أي باحث أن يجزم أن هناك مبيدات مسرطنة، فهي مواد تنتج لكي تقتل وتبعد الآفات، بمعنى أنها بالضرورة لابد أن تكون بتركيزات معينة كي تقتل الآفات، ولكن بتركيزات محددة حتى لا تؤذى الإنسان، ولكن ليس هناك دراسة علمية واحدة بالعالم قدمت دليلا على ارتباط مبيد أو مبيدات بزيادة نسبة السرطان، فحتى ماد الـDDT الشهيرة مصرح باستخدامها حتى الآن في بعض الدول الإفريقية على الرغم من وجود اتفاقية دولية تمنع استخدامها مع سبعة من المبيدات التي تنتمي إلى الملوثات العضوية.
وأوضح أن المبيدات قد تسبب التسمم في حالة استخدامها بشكل خاطئ وفي توقيت خاطئ وبمعدلات خاطئة، وذلك حسب كمية الجرعة التي يتعرض لها الإنسان، لكن لابد أن نضع في الحسبان أنه بدون استخدام المبيدات فإن الإنتاج الزراعي سينخفض بنسبة 30% وتنتشر الملاريا، لذا هناك تجارب كثيرة يتم إجراءها حاليا في دول متعددة بالعالم، ومنها تجارب تجعل النبات نفسه ينتج مبيدا، وذلك باستخدام الهندسة الوراثية.
· كاتب علمي وعضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين
كل الشكر والتقدير على موضوعكم الرائع حول دور المبيدات الزراعية في مكافحة الآفاق
ردحذف