في الأعماق الزرقاء قبالة سواحل "سيراكوزا" الإيطالية، حيث تلتقي صفاء المياه بجمال الطبيعة البكر، وقعت حادثة غير عادية، لا تؤرّخها الكتب، لكنها تعيش في ذاكرة من يؤمنون بأن للطبيعة لغتها الخاصة.
إنها حكاية إنزو مايوركا، الغطّاس الإيطالي الشهير، وابنته روسانا، حين جمعهم البحر بنداء صامت من مخلوق يبحث عن النجدة.
كان عام 2009، وكان إنزو يغطس كعادته، متأملًا سكون الأعماق وروعة الكائنات البحرية، برفقة ابنته.
فجأة، شعر بلمسة خفيفة على ظهره. التفت ليجد دولفينًا لا يبدو عاديًا؛ لم يكن يسبح بخفة أو يلعب كعادته، بل عيونه بدت قلقة، وحركته تنبئ بأنه يريد شيئًا.
فهم إنزو، بعين الغطاس المجرّب وقلب الإنسان المتصل بالبحر، أن ثمة أمرًا غير مألوف.
غاص الدولفين عميقًا، فتَبِعه إنزو على الفور، مدفوعًا بفضول غريب ومشاعر غامضة.
وعلى عمق نحو خمسة عشر مترًا، كانت المفاجأة: دولفين آخر، عالق في شبكة صيد مهجورة، يصارع للبقاء.
طلب إنزو من ابنته سكينًا، وبحذر ودقّة، تمكّن من تحرير المخلوق الذي كان مرهقًا إلى حد كبير، حتى إنه أصدر صوتًا وصفه إنزو لاحقًا بأنه أقرب إلى الأنين الإنساني.
عادوا إلى السطح، لكن الحكاية لم تنتهِ هنا. فقد اتضح أن الدولفين المحرَّر كان أنثى، وفي لحظات قليلة، وضعت مولودها أمام أعين الغواصين، وكأنها اختارت الحياة من جديد.
أما الدولفين الأول – من كان رسول الاستغاثة – فقد دار حولهم بهدوء، واقترب من إنزو، ولمس وجنته برفق، ثم ابتعد، ليأخذ أسرته إلى عرض البحر.
ما حدث لا يوثق في المختبرات ولا يُقاس بالأرقام. إنه من تلك اللحظات النادرة التي يشعر فيها الإنسان بأنه جزء من نسيج الطبيعة لا سيدًا عليها، وبأن اللغة الحقيقية لا تُقال بالكلمات، بل تُحسّ بالقلب.
علّق إنزو على تلك الحادثة قائلًا:
"ما
لم يتعلّم الإنسان احترام الطبيعة والتواصل مع الكائنات، فلن يفهم يومًا دوره
الحقيقي على هذه الأرض."
تلك الكلمات، وإن بدت بسيطة، تحمل عمقًا بيئيًا وفلسفيًا. فكل مخلوق على هذا الكوكب، مهما صغر أو كبر، له وجوده وألمه وصوته الذي ربما لا نسمعه، لكن يمكننا دائمًا أن نشعر به إذا أنصتنا جيدًا.
أمجد قاسم
X@amjad
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه