في إحدى القاعات الجامعية، طرح أستاذ جامعي سؤالًا بسيطًا لكنه عميق في معناه: "إذا كان هناك ثمانية عصافير تقف على غصن شجرة، وقررت سبعة منها الطيران، كم عدد العصافير التي ستبقى على الغصن؟"
أجاب معظم الطلاب دون تردد: "واحد"، لكن أحدهم خالفهم الرأي وقال: "لا يزال هناك ثمانية"، وبرر إجابته بأن الطيور قررت الطيران لكنها لم تطِر فعليًا بعد.
كانت هذه الإجابة الذكية ملخصًا لحالة إنسانية متكررة، تعكس الفجوة بين "اتخاذ القرار" و"تنفيذ القرار". وهذا بالضبط ما يعاني منه كثير من الناس في مختلف مجالات الحياة.
اتخاذ القرار ليس كافيًا
يُعد اتخاذ القرار خطوة مهمة في طريق التغيير والتحسين، لكنه ليس النهاية. كثيرًا ما نسمع عبارات مثل: "قررت أن أبدأ بالتمرين"، "قررت أن أتعلم لغة جديدة"، "قررت أن أغير نمط حياتي"، ومع ذلك تبقى هذه القرارات مجرد أفكار في الأذهان، لا تجد طريقها إلى أرض الواقع.
إن "اتخاذ القرار" يعني تحديد نية أو رغبة في فعل شيء، أما "تنفيذه" فيتطلب الإرادة، والانضباط، والتخطيط، والعمل المستمر. ولذا، فإن الفجوة بين القول والفعل قد تكون واسعة، لا يمكن عبورها إلا بالإصرار والتطبيق العملي.
الواقع مليء بالشعارات الخالية من التنفيذ
كثير من الأشخاص يبدون حماسة كبيرة عند الحديث عن طموحاتهم وأهدافهم، في المناسبات العامة أو على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن عند النظر إلى ما ينجزونه على أرض الواقع، نجد أن الأمر مختلف تمامًا. إنهم يتقنون الحديث عن الأحلام، لكنهم يعجزون عن تحقيقها.
وهنا يظهر الفرق بين أولئك الذين يتحدثون وأولئك الذين يعملون. فالإنجاز لا يصدر من الأقوال، بل من الأفعال. وكم من مشاريع عظيمة بقيت حبيسة الأدراج لأن أصحابها لم يتجاوزوا مرحلة القرار.
لماذا يعجز الكثير عن التنفيذ؟
تتعدد الأسباب التي تجعل الناس يتخذون قرارات لا ينفذونها، ومنها:
1. الخوف من الفشل: كثير من الناس يترددون في بدء تنفيذ قراراتهم خوفًا من الإخفاق أو النقد.
2. الافتقار إلى الخطة: القرار بدون خطة واقعية يبقى مجرد حلم.
3. التسويف والمماطلة: من أكبر العوائق التي تواجه التنفيذ الفعلي لأي قرار.
4. ضعف الدافعية: عندما لا يكون القرار نابعًا من حاجة حقيقية، قد يفقد الإنسان حماسه مع مرور الوقت.
من النظرية إلى التطبيق: كيف ننفذ قراراتنا؟
للانتقال من اتخاذ القرار إلى تنفيذه، هناك خطوات عملية يمكن اتباعها:
- ضع خطة واضحة: حدد هدفك، وقسمه إلى مهام صغيرة، وحدد وقتًا لكل مهمة.
- ابدأ بخطوة بسيطة: لا تنتظر الظروف المثالية. البدء الفعلي حتى بخطوة صغيرة أفضل من الانتظار.
- راقب تقدمك: التقييم المستمر يساعدك على الاستمرار والتعديل عند الحاجة.
- ابحث عن الدعم: تواصل مع من يشجعك ويدعمك، فالمساندة المعنوية تسهم كثيرًا في الإنجاز.
- كافئ نفسك: التحفيز الذاتي بعد كل إنجاز يعزز استمرارك.
قصص ملهمة من الواقع
لو تأملنا في حياة الشخصيات الناجحة، سنجد أن الفارق بينها وبين غيرها لم يكن في كمية القرارات المتخذة، بل في تنفيذ هذه القرارات. فتوماس إديسون لم يكتفِ باتخاذ قرار اختراع المصباح، بل نفّذ آلاف التجارب حتى وصل إلى النتيجة. وستيف جوبز لم يكتفِ بالحلم بتغيير العالم عبر التكنولوجيا، بل بدأ من كراج بسيط ليبني واحدة من أكبر الشركات في العالم.
الأفعال أعلى صوتًا من الأقوال
الدرس المستخلص من قصة العصافير بسيط لكنه عميق: أن القرار لا يعني التنفيذ. فالعالم لا يتغير بالأقوال ولا بالتفكير فقط، بل بالفعل والعمل الجاد والمثابرة. اتخاذ القرار هو الشرارة الأولى، أما التنفيذ فهو النار التي تُحدث الفرق.
ابدأ اليوم. لا تكتفِ بقرارك، بل تحرّك، وابدأ أول خطوة، لأن الحياة لا تنتظر، ولا النجاح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه