مدونة ثقافية تعنى بالإبداع والابتكار والتنمية البشرية

اخر الأخبار

Post Top Ad

السبت، 29 مارس 2008

الكوارث في الجزائر .... حين يدير الإنسان ظهره للواقع

الصحفية  فتيحة الشرع – الجزائر *

مع هطول أولى قطرات الغيث ، تعود إلى ذاكرة الجزائريين صور برك الماء والوحل في كل مكان، طرق مقطوعة وخدمات ممنوعة وأيدي مرفوعة إلى السماء بالدعاء.
الصورة الأخيرة التي لازالت تطفو على السطح تعود إلى الأسابيع الأخيرة من شهر نوفمبر من هذه السنة حيث بلغت حصيلة ضحايا الأمطار بوسط وغرب العاصمة اثني عشر قتيلا وعشرات الجرحى، وانهارت المباني القديمة منها والحديثة، هذه الأخيرة فضحت لغة الغش التي يتعامل بها المقاولون. ففي حي القصبة العتيق الذي يعود للعهد العثماني أدى تأخر أشغال الترميم إلى سقوط جدران بعض المباني مما أثار سخط السكان الذين قضى معظمهم الليل في العراء والبرد، والقلة منهم كان لهم الحظ فوجدوا الملاذ داخل بعض المدارس.
ولو عدنا قليلا إلى شهر مايو من عام 2003، لوجدنا أعتم الصور تلك التي صنعها زلزال ولاية بومرداس التي تبعد 60 كلم شمال شرق العاصمة. بلغت قوة الزلزال 6.8 على سلم ريختر، كانت هزة قوية وكانت الحصيلة أقوى 2300 قتيل و130000 بدون مأوى وخسائر قدرت قيمتها 100 مليون دولار. مرة أخرى فضحت الكارثة هشاشة النسيج العمراني وغياب التخطيط في مجال إدارة الكوارث والمخاطر الكبرى.
أرشيف الجزائر الذي تحصلت عليه مؤخرا من تركيا وحتى ذلك الذي يعود إلى تواجد الأسبان وغيرهم خلال القرنين الماضيين، يثبت بأن الجزائر عانت كثيرا في العهود السابقة بشكل رئيس من وقوع الزلازل والفيضانات والانزلاقات الأرضية والعواصف والجفاف والأوبئة. 

المُعطى الجديد

تُعتبر حاليا، الظواهر الهيدرولوجية-المناخية، خاصة الفيضانات والتصحر، من أهم الأخطار الطبيعية المحدقة بالجزائر. حيث تتعرض مساحات شاسعة من الجزائر لظاهرة التصحر، ثم يأتي بشكل عرضي ومحدود كل من الجفاف وموجات السخونة والبرودة الشديدة والرياح شديدة السرعة في المناطق الغربية الداخلية ، وحرائق الغابات باستثناء تلك التي ميزت صيف 2007.
أيضا سيلعب التغير المناخي العالمي دوراً كبيراً في حدوث المزيد من الكوارث الهيدرولوجية-المناخية خاصة الجفاف والتصحر. في حين يمثل تفشي بعض الأوبئة الناجمة عن تدهور البيئة، وغزو الحشرات كالجراد أهم الظواهر البيولوجية التي تجتاح البلاد من حين لآخر.
و تشير التقارير الواردة مؤخرا عن وزارة البيئة وتهيئة الإقليم والسياحة بالجزائر أن نسبة 62.6 بالمائة من السكان تعيش في المدن الساحلية الكبرى المعرضة لوقوع ظاهرتين طبيعيين أو أكثر كالزلازل والفيضانات مثل العاصمة وما جاورها، وأخرى معرضة للانزلاقات الأرضية مثل قسنطينة في الشرق، وستقفز هذه النسبة إلى 69.3 بالمائة عام 2015. وتسهم هذه المناطق في الناتج المحلي الإجمالي بنسب لا بأس بها. إضافة إلى ذلك فقد تم تنفيذ العديد من الاستثمارات الاقتصادية في المدن الكبرى كالعاصمة، وهران، سكيكدة دون مراعاة اعتبارات خطر الكوارث.
وقد باتت عمليات التحضر السريع والنمو السكاني وتنامي المنشآت الهندسية الحساسة وتشييد المدن وفق نماذج حديثة من الأبنية وتركز السكان في مناطق معرضة لحدوث الكوارث مسألة اهتمام متنامية لدى السلطات، كون هذا التوسع العمراني والصناعي يسهم في احتمال ارتفاع الخسائر البشرية والأضرار الاقتصادية في حال وقوع كوارث مستقبلية.
ولعل ما مر بالجزائر من كوارث ومخاطر، جعلنا نستنتج، حسب ما ذكره لناالأستاذ الدكتور جيلالي بن نوار من كلية الهندسة المدنية بجامعة هواري بومدين للعلوم و التكنولوجيا (USTHB)، أن الكوارث لا تزال تشكل عائقاً في سبيل التنمية في الجزائر إلى يومنا هذا وقد قدم البنك الدولي أرقاما حول تحليل الخطر في العالم وورد في ذلك أن نسبة التعرض للخسائر الاقتصادية في الجزائر جراء حدوث كوارث تقدر حوالي 48.3 بالمائة من الناتج المحلي، نتيجة الثغرات الموجودة في كل من التشريعات، والأطر المؤسسية، و تحديد الأخطار، وإدارة المعارف، و كذلك الاستجابة عقب وقوع الكوارث.
ورغم كل ما تمتلكه الجزائر من تشريعات إلا أن قدرتها على الحد من الكوارث وإدارة الأخطار الرئيسية تبقى محدودة جدا بسبب التركيز المستمر على مسألة الاستجابة بعد حدوث طارئ بدلا من التركيز على تقدير الأخطار بشكل مسبق.

جدلية الخطاب السياسي والواقع

في الوقت الحاضر، تُعد وزارة الداخلية هي المكلفة بإدارة  الكوارث والحد من المخاطر الكبرى وذلك من خلال المديرية العامة للحماية المدنية فقط.
ويُذكر في هذا السياق أن الحكومة سنت مجموعة من القوانين منها القانون المتعلق بالحد من الأخطار الرئيسة في إطار التنمية المستدامة في 25 كانون الأول/ديسمبر عام 2004. حيث استدعى هذا القانون، إضافة إلى المتطلبات التي تتناول كل أوجه الحد من الكوارث وإدارة الأخطار الرئيسة ، إنشاء ما يسمى التفويض الوطني من الأخطار الرئيسة تتمثل مهامه الرئيسة في تقديم النصح وتقييم الأخطار وتنسيق الأفعال الهادفة إلى الحد من آثار الظواهر الطبيعية على اقتصاد الجزائر وعلى سلامة السكان والممتلكات.
 وفي هذا الإطار تم وضع عدة خطط وقائية على المستويين الوطني والمحلي نذكر منها:
خطط الوقاية من حرائق الغابات التي بدت واضحة خلال صيف 2007 حيث اشتدت الحرائق بصورة لم يسبق لها مثيل.
الخطة الوطنية ضد التصحر.
الخطة الوطنية لمكافحة الجراد.
خطة الطوارئ الوطنية ضد تلوث مياه البحر.
وأخيراً خطط وقائية وتدخلية لمناطق المنشآت الاقتصادية والصناعية كتلك الموجودة بكل من سكيكدة، أرزيو وحاسي مسعود لاحتوائها على منشآت الغاز والبترول على مستوى الموانئ أو بالقرب من المجمعات السكنية.
كما حدّثت الحكومة السياسة الوطنية وبرامج الإجراءات والأطر القانونية والتشريعية ذات الصلة.
وتجدر الإشارة هنا، إلى أن الحد من أخطار الكوارث ليس جزءاً من منهاج النظام التعليمي في الجزائر، ولا يتناول الإعلام ملف الوقاية والاستعداد إلا في المناسبات الخاصة ،أي إلا عند إصدار نشرة خاصة من قبل مركز الزلازل أو مركز الأرصاد الجوية، حسب ما ورد في بحث الدكتور عبد الحكيم عيادي من مركز الزلازل ببوزريعة.
إن الإلمام بالظواهر الطبيعية وأخطارها وتحديدها وتقيميها من قبل المسئولين والأفراد، بما في ذلك الإنذار المبكر بها، يمثل نقطة البداية نحو الحد من الكوارث. كما أن الاهتمام بتطبيق البند 21 من أجندة "أهداف التنمية للألفية الثالثة" في إدارة وتخطيط استخدام الأراضي في المناطق الريفية والجبلية والساحلية، والحضرية غير المخططة في المدن الكبيرة والصغيرة يمثل أيضا مواصلة للمسار.
وللإحاطة بملف إدارة الكوارث والحد من الأخطار الكبرى والاستعداد لها بشكل جيد، تعمل الجزائر على امتلاك أنظمة الإنذار المبكر باستخدام تقنيات الاتصالات وكذا إدارة المعارف التي تتضمن أنشطة تساعد في تبادل المعلومات و البيانات.
 ومما لاشك فيه فإن قدرة المجتمعات المحلية على تنفيذ أفعال وأنشطة مسبقة لضمان سلامتهم أثناء الكوارث تعتمد على مدى توفر البيانات المتعلقة بالحد من الكوارث. لكن الملاحظ في الجزائر، هو عجز المراكز الإحصائية الوطنية للكوارث عن تغطية الأخطار بشكل منهجي. زيادة على أن المعرفة المتعلقة بتفسير معطيات الكوارث والبيانات المتوفرة على المواقع الالكترونية وغيرها غير كافية، ولا تملك الجزائر لغاية الآن ، هيئة رسمية تضم مختلف القطاعات ، مهمتها تنفيذ إجراءات إستباقية ووقائية أمام أي تحدٍ واضح ناجم عن كارثة ما. كما أن هنالك إدراك محدود لدى عامة الناس حول أفضل الممارسات، وكذلك لدى المؤسسات والشبكات المهنية العاملة في قضايا الحد من الكوارث والتي تؤمن  وصول إمدادات الغوث والإنقاذ والإعانة وبقية المساعدات المناسبة كمنظمة الهلال الأحمر.
وبصورة عامة، لقد كان إدماج أهداف إدارة الكوارث والمخاطر الكبرى في الإنماء محدود التنفيذ خلال العقود القليلة الماضية، نظراً لوجود عوامل عدة تتصل بندرة المبادئ التوجيهية، وعدم كفاية الدعم، والتبادل الضعيف للمعارف والخبرات بين البلدان عن كيفية دمج تدابير الحد من خطر الكوارث في العمليات الإنمائية.
حاليا، تسعى مجموعة من الخبراء والباحثين سواء في الجامعات كجامعة باب الزوار أو المراكز ذات الصلة بالكوارث والمخاطر الكبرى كمركز بوزريعة بالعاصمة، للمطالبة بإنشاء هيئة وطنية رسمية تابعة لرئاسة الجمهورية دورها التأكيد على أن كافة المؤسسات المعنية والإجراءات والموارد تأخذ موقعها الصحيح بشكل مسبق لحدوث الكارثة بهدف التقليل من حجم الخسائر وتأمين المساعدة الآنية للضحايا.

قبل فوات الأوان

إن دمج أهداف الحد من خطر الكوارث في استراتيجيات التنمية الوطنية ، إجراء ضروري ولازم لتكامل تدابير الحد من خطر الكوارث في عمليات التنمية، بما في ذلك الغايات الإنمائية المتفق عليها دولياً مثل الأهداف الواردة في إعلان الألفية (أيلول/ سبتمبر 2000)، وخطة جوهانسبورغ للتنفيذ الصادرة عن مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة، وأخيراً المبادرة الإفريقية  نيباد.
وقد أتاح الإتحاد الأفريقي ومبادرته "الشراكة الجديدة من أجل التنمية في أفريقيا، نيباد" الفرصة لتشجيع تعديل إستراتيجية للحد من الكوارث بما يتناسب مع قدرات كل بلد. ولهذا تسعى الجزائر لجعل قضية الكوارث نافذة المفعول أثناء معالجتها للبرامج التنفيذية المتعلقة بمسؤولية الدولة في حماية رعاياها ومنشآتها التحتية ومرافقها العامة وممتلكاتها من تأثيرات الكوارث بما يتوافق مع تطوير إستراتيجية إفريقية للحد من الكوارث المنصوص عليها عام 2004.
 ----------------------------------------
منتجة للعديد من البرامج بالإذاعة الوطنية القناة الأولى.
مراسلة مجلة البيئة والتنمية اللبنانية منذ 1999، ومستشارة في شؤون البيئة.
رئيسة جمعية المرأة والتنمية 2002.
حاصلة على الجائزة العالمية الثانية من قبل URTI الإتحاد العالمي للإذاعة والتلفزيون عن حصة بيئية سنة 2001 بعنوان L’épouvantail et le feu de la discorde
عضو شرف في مؤِسسة القذافي للدراسات الإستراتيجية .
عضو ضمن الرابطة العربية للعلوم والتكنولوجيا.
المؤلفات :
كتاب بعنوان تيه النساء تقديم الدكتور عبد الرحمان مزيان تحت الطبع من قبل دار الفكر السورية.
كتاب تحت المراجعة عنوانه قصاصات امرأة مسافرة.
التحضير لكتاب عن أهم المفاهيم البيئية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه

Post Top Ad

الصفحات