ممدوح المسلمي
التوحد Autism إعاقة متعلقة بالنمو عادة ما تظهر خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل.وهي تنتج عن اضطراب في الجهاز العصبي مما يؤثر على وظائف المخ، ويقدر انتشار هذا الاضطراب مع الأعراض السلوكية المصاحبة له بنسبة1 من بين 500 شخص.وتزداد نسبة الإصابة بين الأولاد عن البنات بنسبة 1:4، ولا يرتبط هذا الاضطراب بأية عوامل عرقية، أو اجتماعية.
وبصفة عامة فإن إحدى علامات المرض هو ظهور تغير في السلوك الاجتماعي للطفل أو عدم قدرته على اكتساب مفردات لغوية جديدة بعد العام الثالث من العمر، أو عندما تختلف تصرفات طفل عن باقي الأطفال، وأنه أصبح معزولا عن المجتمع يكره أسرته ويفر من أحضان محبيه، لا يأبه بنداءات وكأنه لا يسمع، يصرخ ويثور ويهيج بلا أسباب يتحسس المخاطر ويسعى لها دون أدنى خوف، حتى لو ضرب بشدة فلن يعبر عن ألمه بآهة واحدة، عندها نعلم أن الطفل أصبح مصاباً بمرض التوحد.
والمرض ينتشر بصورة كبيرة حسبما جاء في تقرير معهد أبحاث التوحد بجامعة كامبردج والذي رصد زيادته في نسبة المرض بشكل خطير حيث أصبحت 75 حالة في كل 100000 للأطفال من سن 5 ـ 11سنة وهي نسبة كبيرة عما كان معروفاً سابقاً وهي 5 حالات في كل 100000 حالة، والسبب الرئيسي للمرضى غير معروف لكن العوامل الوراثية تلعب دورا مهما بالإضافة إلى العوامل الكيميائية والعضوية.ومن المهم أيضا أن نعرف أنه ليس جميع المصابين بالتوحد مستوى ذكائهم منخفضا، فوفقاً لأحدث الإحصائيات فإن ربع حالات أطفال التوحد ذكاؤهم في المعدلات الطبيعية.
اضطراب تطوري شديد
الدكتور أشرف عزمي استشاري طب الأطفال بالمركز القومي للبحوث بالقاهرة يقول إن مرض التوحد هو اضطراب تطوري شديد يصيب الأطفال دون الثالثة من العمر للمعدل يتراوح ما بين 0.7 على 4.5 ألف طفل، وفي مراجع الطب النفسي يعرف بالاضطراب التطوري الشامل.
وعن أهم أعراض المرض يقول د.أشرف عزمي إنها تتمثل في قصور التفاعل الاجتماعي مع نقص الإدراك بوجود الآخرين بمن فيهم الأب والأم، وعدم البحث عن مساعدة من أحد لجلب الراحة والطمأنينة، وغياب السمة أو أي تعبير تفاعلي على الوجه وكذلك غياب حركات الأيدي أو الرأس المصاحبة لأي تفاعل نفسي كالبهجة أو الحزن أو الغضب وانعدام القدرة على الكلام أو إصدار أصوات غير مفهومة أو ترديد مقاطع ثابتة من كلمات وتكرارها باستمرار والاستغراق في اللعب بأجزاء ثابتة من الجسم مثل «حركات ثابتة للأصابع أو الأيدي وانعدام النظرة التفاعلية للعين الدالة على الفهم أو قبول أو رفض ما يقال، أما ما يحدث حول الطفل، ووجود حركات متكررة غير مفهومة وليس لها هدف واضح مثل خبط الرأس في الجوامد مثل الحائط والضغط على الأسنان وهز الجسم المتكرر وقضاء ساعات طويلة في اللعب المنفرد والحاجة إلى ثبوت الروتين اليومي وعدم تغيير أي أشياء في محيط الطفل بحيث إذا ما تغير هذا الروتين يحدث هياج واضطراب شديدان لدى الطفل بدون أي سبب منطقي.وتثبت اختيارات القياس النفسي أن حوالي 70% من هؤلاء الأطفال مصابون بالإعاقة الذهنية ولكن على أية حال توجد صعوبات كبيرة في إجراء هذه الاختبارات على هؤلاء الأطفال لوجود قصور شديد في الكلام والتفاعل مع الآخرين، وتوجد شريحة من هؤلاء الأطفال يتمتعون بمستوى ذكاء شبه طبيعي، وعامة يكون أطفال التوحد المصابون بإعاقة ذهنية عرضة لإصابة بالتشنجات والصرع في مرحلة البلوغ أكثر من أقرانهم غير المعاقين ذهنيا.
أسباب مرض التوحد
وفيما يتعلق بأسباب مرض التوحد يقول الدكتور أشرف عزمي أن الأبحاث لم تصل حتى الآن إلى السبب المباشر للمرض ولكن يعتقد أنه نتيجة لاضطراب غير معروف في وظائف المخ والبعض يقترح وجود اضطرابات في المواد الناقلة للنبضات العصبية مثل السروتونين أو وجود عيوب تصويرية تشريحية في الجزء من المخ المعروف بالنيوسيربيلام.وقد أثبتت الأبحاث وجود خطورة للإصابة بهذا المرض منها مضاعفات ما قبل الولادة والاضطرابات الجينية والوراثية، وإصابة الأم بالحصبة الألماني أثناء فترة الحمل وعيوب التمثيل الغذائي والالتهابات الميكروبية في الجهاز العصبي.
تشخيص مرض التوحد
وحول ما يمكن للأطباء تقديمه لأطفال مرضى التوحد يذكر د.أشرف أنه يجب أولا تشخيص المرضى بدقة واستبعاد أي أمراض قد تتشابه مع أعراض مرض التوحد مثل الإعاقة الذهنية، والانفصام الشخصي الطفولي قصور السمع، اضطرابات الكلام التطورية وبعض الأمراض العصبية الوراثية مؤكدا حتمية استبعاد مرض الفصام الشخصي الطفولي عن أطفال مرضى التوحد القريبين من مرحلة البلوغ وذلك بالتأكد من عدم وجود أي هلاوس أو أوهام عندهم.
ويضيف قائلاً:إن طفل التوحد يجب أن يوضع في برنامج تعليمي مصمم لاستيفاء احتياجاته النفسية المعقدة مع التأكيد الشديد على التفاعل الاجتماعي المناسب وإمكانية تبادل الأفكار عن طريق الكلام أو الكتابة أو الإشارات.وجدير بالذكر أن التدخل المبكر من الممكن أن يؤدي إلى نتائج طيبة .ويوضح أن ارتفاع مستوى الذكاء ووجود قدرة على الكلام قبل سن الخامسة هما من العوامل المثيرة بالنجاح في علاج هذا المرض.وأشار إلى أن مظاهر الكلام المعيبة في مرض التوحد تشمل الترديد الفوري لما يقوله الآخرون «المصاداة» الترديد المتأخر لكلام الآخرين، تلحين الكلام بشكل بدائي وغير موجه، وعدم القدرة على التعبير بالكلام، السرد اللانهائي لإعلانات التلفزيون بدون وعي.وقد نشرت بعض الدوريات العلمية أن الاضطراب الوظيفي في الفص الأيمن من المخ قد يكون مسؤولا عن هذه الاختلالات في الكلام.
وعن وجود أدوية لعلاج مرض التوحد يقول د.أشرف عزمي انه لا يوجد حتى الآن علاج حاسم لهذا المرض من إجراء العديد من العلاجات التجريبية بعقاقير مثل عقار الفينفلورامين، ولكن إذا كان المرض مصاحبا بتشنجات فيجب علاجها بواسطة عقاقير مضادة حتى لا تزيد الإعاقة الذهنية المحتملة، وتجري الآن تجربة بعض العقارات التي من المنتظر أن تؤدي إلى نتائج طيبة خاصة في الحالات التي تعاني من تهيج شديد أو سلوكيات عنيفة.
د.اشرف عزمي يؤكد أن رعاية أطفال التوحد تجربة تحتاج إلى كثير من الصبر والمشاعر الجياشة ويجب أن يحظى هؤلاء الأطفال وذووهم بكل دعم مهني وبحثي من العاملين في المجالين الطبي والاجتماعي.وينصح د.عزمي الأمهات بسرعة فحص الطفل عند طبيب متخصص في أعصاب الأطفال في حالة ملاحظة أي تغير في سلوك الطفل الاجتماعي أو في عدم قدرته على اكتساب مفردات لغوية جديدة بعد العام الثالث من العمر حتى يتم التشخيص المبكر والتدخل ببرامج تعديل السلوك والتخاطب المناسب لهذه الحالات.
الاضطرابات السلوكية
الدكتور أسامة زكي سليمان أستاذ طب المخ والأعصاب بكلية طب القصر العيني يقول إن الطفل إزاء هذا المرض يصبح مميزا من خلال الاضطرابات في السلوك عن غيره وتبدأ ملاحظة هذا المرض في السنة الثانية والنصف من عمر الطفل من 30 ـ 36 شهرا. والمعروف أن التوحد في هذه الفترة له سمات رئيسية أهمها ضعف العلاقات الاجتماعية مع أمه وأبيه وأهله والغرباء، ولا يريد أن يسلم على أحد ولا يفرح عندما يرى أمه وأباه ولا يستمتع بوجود الآخرين ولا يشاركهم اهتماماتهم، وحتى الأطفال في مثل عمره لا يحب الاختلاط بهم ويرفض اللعب معهم، فهو يفضل أن يلعب وحده وأيضا لا يستطيع أن يعرف مشاعر الآخرين أو يتعامل معها بصورة صحيحة وطبيعية مثل بقية الأطفال.وقد يتفاعل بشكل عكسي فمثلا عندما يرى أمه تبكي فإنه قد يخرق عينها ليتعرف على ماهية السائل المنساب منها، مظهر الخلل الثاني أن يصاب الطفل بضعف في التواصل اللغوي أو تأخر في نطق الكلام أحيانا كما أنه يستعمل كلمات غريبة من تأليفه ويكررها دوما كما يكرر كلام الآخرين أو يظل يردد آخر كلمة من الجملة التي سمعها وتكون لديه صعوبة في استعمال الضمائر فمثلا لا يقول:«أريد أن اشرب» بل يستعمل اسمه فيقول:«حسن يريد الشرب».
أحدث طرق علاج التوحد
وعن أحدث طرق علاج مرضى التوحد يقول د.أسامة زكي أن أحدث الطرق المتبعة حاليا تسمى «خطة علاج التوحد التدريجية» وعلى ذلك فهي تتم بشكل تدريجي يبدأ بعلاج سلوكيات التوحد السلبية كزيادة الحركة وعدم وجود هدف للنشاط والتكرار والنمطية وإيذاء الذات والحدة والعنف ، وعلى أساس أن أطفال التوحد يجاهدون للإحساس بالكثير من الأشياء التي تربكهم، فإن هدف خطة تغيير السلوك الأول هو توضيح مسائل السلوك فهم يعيشون بطريقة أفضل عندما يكونون في بيئة منظمة حيث القوانين والتوقعات واضحة وثابتة، ودور العلاج السلوكي هنا هو جعل بيئة الطفل التوحدي مبنية على أسس ثابتة وواضحة حتى يستطيع التواصل دون أن يتعرض لمعوقات تصيبه بالارتباك والإحباط والرعب والخوف، ثم يتم تقييم سلوك الطفل بعد تهيئة هذه البيئة المريحة الخالية من التعقيدات فتسأل الأسرة نفسها هل لازال لدى الطفل نمطيته ورؤيته وهل حدث تغيير لنظامه اليومي؟ وهل يتم إدخال شيء جديد في حياته يكون قد أربكه أو وضعه تحت ضغوط نفسيه ؟ وهل استطاع التعبير عما يؤثر فيه وعليه؟
ومن خلال هذه الاستراتيجية الموجهة لدعم السلوك يتم تحديد أوقات تحسن ظروف التواصل لدى الطفل ويأتي بعد ذلك دور العلاج الطبيعي وهدفه الأساسي هو ضمان الحد الأدنى من الصحة الجسمية والنفسية وبرنامج الرعاية الصحية الجيد، ويجب أن يحتوي على زيارات دورية منظمة للطبيب لمتابعة النمو والنظر والسمع وضغط الدم والتطعيمات الأساسية والطارئة وزيارات منتظمة لطبيب الأسنان والاهتمام بالتغذية والنظافة العامة.
كما أن العلاج الطبي الجيد يبدأ بتقييم الحالة العامة للطفل لاكتشاف وجود أي مشاكل طبية أخرى مصاحبة للتشنج مثلا ، ثم العلاج بالأدوية ومن أحدث أنواعها «الميغافايتامين» الذي يحتوي على فيتامين 6 المساعد على تكوين الموصلات العصبية والتي عادة ما يكون فيها اضطرابات لدى هؤلاء الأطفال وقد لوحظ أن التوقف عن تناول هذا العلاج يؤدي إلى زيادة في الاضطرابات السلوكية، عقار «الناتديكسون» وهذا العقار يحد من آثار مادة تسمىOpaids التي يسبب تواجدها بكميات عالية في المخ استفحال مرض التوحد، ومضادات الخمائر وذلك لأن هذه الخمائر تتكاثر بشكل هائل في الأطفال التوحديين، والسركتيين وهو هرمون يفرز من الأمعاء الدقيقة في جسم الإنسان ليحفز بعض العصائر في البنكرياس، وعندما تم إعطاؤه لأطفال التوحد، وجد أنه أظهر تحسنا ملحوظا في الناحية اللغوية والاجتماعية لديهم فضلاً عن دور العلاج النفسي لإكساب التوجيهات والتدريبات السلوكية اللازمة للطفل والعلاج بالدمج الحسي وهو يعني تنشيط العملية الطبيعية التي تجرى في الدماغ.
تحسن غذائي
الظاهرة الأكثر إثارة هنا تلخصها دراسات حديثة وجدت أن بعض أطفال التوحد لديهم «تحسن غذائي» وبعض هذه الحسنات قد تزيد درجة التهيج عندهم ولذلك يجب عرض الطفل على متخصص في التخسيس ليقيم حالته ويحدد قائمة الأغذية الممنوعة حتى تتم إزالتها من طعامه مما قد يساعد على الإقلال من بعض السلوكيات السلبية فالطفل التوحدي لديه مشاكل في الجهاز العصبي تسمح بمرور بعض مواد الأغذية المحتوية على الجيلوتين كالقمح والشعير والشوفان والكازين الموجود في الحليب إلى المخ ومن ثم يتعاظم تأثيرها على الدماغ فيتسبب على الفور في حدوث أعراض التوحد السلبية .
عن مجلة المجلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه