أحمد العمودي*
يبدو لفظ تصحيح الجنس للوهلة الأولى جديدا وغريبا وشائكا، إلا أن علامات التعجب سريعا ما تزول عندما نعلم أن هيئة كبار العلماء، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية، والمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، توصلوا إلى فتوى تجيز عمليات تصحيح الجنس وتحرم تغييره، مما جعل المجتمع أكثر تفهما لمثل هذه الجراحات التي أجازها العلماء والفقهاء بشروط.
جاء الإعلان عن عمليات تصحيح الجنس والذي بدأ بجامعة الملك عبد العزيز بجدة التي أعلنت عن إنشاء أول مركز متكامل لعمليات "تصحيح الجنس"، بعد كشفها اللثام عن تصحيح جنس خمس شقيقات من أسرة واحدة أكبرهن 38 عاما، وأصغرهن 17 سنة إلى ذكور، وتعد هذه هي الخطوة الأولى من نوعها في السعودية لإنشاء مركز متكامل لتصحيح الجنس، يتولى إجراء تشخيص وعلاج وجراحة الحالات التي تحتاج إلى تصحيح جنسي، سواء من ذكر إلى أنثى أو العكس.
ولقد استطلعت شبكة "إسلام أون لاين.نت" بعض الجوانب المهمة في مثل هذه العمليات وانتشارها وأسبابها، حيث أوضح الدكتور/ ياسر صالح جمال أستاذ واستشاري جراحة الأطفال والتجميل، ورئيس الفريق الطبي الذي أنجز العديد من جراحات تصحيح الجنس في السعودية بأن هذه العمليات ضرورة لتصحيح الجنس، مشددا على وجوب التفريق بين التصحيح وتغيير الجنس من الناحية الشرعية.
وبين أنه قام بإجراء عمليات تصحيح جنس من الأنوثة إلى الذكورة لعشرة شباب خلال العامين الماضيين، خضعوا لعمليات التصحيح استنادا للرؤية الشرعية التي تجيز تلك العمليات.
العلاج المبكر أفضل
ويوضح د.جمال أن ظهور هذه الحالات على السطح في الآونة الأخيرة، راجع لزواج الأقارب حيث قال: "ينبغي تجنب زواج الأقارب؛ لأن ذلك يزيد من فرصة حدوث مثل هذه المشاكل، وينبغي عدم تناول الهرمونات وغيرها من الأدوية التي قد يكون لها تأثير هرموني على الجنين، وتؤدي إلى خلل في تكوين الأجهزة التناسلية"، كما طالب بعدم التزاوج بين الأسر التي لديها تاريخ مرضي بمثل هذه المشكلة.
وحول السن العمرية المناسبة لإجراء تلك العمليات أوضح د.جمال أن مرحلة الطفولة المبكرة هي أفضل المراحل من الناحية النفسية والاجتماعية وحتى الجراحية، لافتا إلى أن "مستشفى جامعة الملك عبد العزيز" بجدة استقبل على مدى 25 عاما أكثر من 300 حالة تم تصحيح 7% منها في سن متأخرة مقابل 93% خلال الطفولة المبكرة.
أي الجنسين أقرب
وبين د.جمال أن عمليات تصحيح الجنس تجرى لتثبيت الشخص في جنسه الحقيقي والصحيح، وليس التغيير، وهناك بعض الحالات ينظر فيها لأي الجنسين أقرب من الناحية التركيبية والوظيفية حتى يثبت إلى الجنس الأقرب لما يمتلكه من صفات ذكورة أو أنوثة.
وأكد أن التصحيح له ركائز ومحددات أساسية هي الكروموسومات والغدد الجنسية، فالشخص يكون ذكرا إذا كان حاملا لكروموسومات XY ولديه خصيتان، بينما الأنثى تحمل كروموسومات XX ولديها مبيضان، أما إذا حدث خلل في الكروموسومات أو الغدد الجنسية كوجود أنسجة مبيض وخصية في نفس الشخص، فعندها يلجأ الأطباء إلى المحددات والركائز الثانوية وتشمل الأجهزة التناسلية الخارجية والداخلية والقدرة على ممارسة العلاقة الحميمة، ومستقبل الإنجاب ورغبة الشخص ومشاعره نحو الذكورة والأنوثة ورغبة الوالدين في حالة الأطفال، وعمر الشخص عند تشخيص الحالة، فتتم دراسة هذه المعطيات بشكل دقيق ثم يُتخذ قرار تحديد الجنس إلى الجنس الأقرب لقدرات ورغبات الشخص بعيدا عن المعاناة المعيشية والنفسية.
الأجهزة التناسلية.. تفصل وتحدد
الأجهزة التناسلية الخارجية من أكثر وسائل تحديد الجنس بالنسبة للعامة، وكذلك أكثر المؤشرات بالنسبة للأطباء، والتي تثير الشك لدى الأطباء في حالة عدم وضوح الذكورة أو الأنوثة وتسمى حالة الخلل هذه بالجهاز التناسلي الغامض، وفيها يكون الجهاز التناسلي وسطا بين الرجولة والأنوثة، وتستوجب هذه الحالات إجراء فحوصات كاملة للوصول إلى جنس المولود الصحيح، فإذا وجد أي تناقض بين أحد هذه المستويات والمستويات الأخرى تسمى هذه الحالة بتداخل الجنس أو (الخنثى)".
ويوضح د.جمال أن الخنثى تنقسم إلى ثلاثة أنواع هي:
- الخنثى الكاذب الذكري: وفي هذه الحالة تكون الأجهزة التناسلية الخارجية شاذة في طفل ذكر، وتبدو أقرب إلى الجهاز الأنثوي، إلا أنه يملك خصيتين وكروموسومات xy وفي هذه الحالة ينشأ الطفل كولد ذكر مع تصحيح أجهزته التناسلية الخارجية.
- الخنثى الكاذب الأنثوي: وفي هذه الحالة تكون الأنثى بجهاز تناسلي خارجي شاذ، إذ يظهر لها جهاز أشبه بجهاز الذكور ولكنها تملك مبايض ورحما وقنوات، وفي هذه الحالة ينشأ الطفل كأنثى وتصحح أجهزته التناسلية الخارجية كجهاز الأنثى.
- الخنثى الحقيقي: وفي هذه الحالة يملك الشخص جهازاً شاذًّا، إلا أن لديه مبيضا وخصية في نفس الوقت، وهنا يصحح جنس الشخص بعد النظر في باقي مستويات تحديد الجنس، وينشأ في الجنس الأقرب إلى واقع باقي المستويات وتصحح أجهزته التناسلية طبقاً لذلك، وينطبق الشيء نفسه على حالات خلل تكون الغدد الجنسية.
وحذر د.جمال من فقدان الهوية الجنسية، وهي الحالات السليمة التي تطلب تغيير الجنس والأجهزة التناسلية بما يخالف بنيته الجسدية، وتعرف هذه الجراحات بجراحات تغيير الجنس وهو الأمر المحرم.
ما بعد التصحيح
وعن تجربة المستشفى الجامعي، وتأقلم المرضى أوضح مدير الجامعة د.أسامة طيب أن وضع الحالات التي أجريت لها جراحات تصحيح مستقرة تماما وأصبحوا متأقلمين مع الوضع الجديد، مشيراً إلى أنهم أناس طبيعيون جدا، ولا فرق بينهم وبين أي ذكر أو أنثى أخرى.
وحول الأبعاد الصحية والاجتماعية أبدى د.ياسر جمال سعادته بالمستوى الصحي والاجتماعي الذي وصل إليه من أجريت لهم عمليات التصحيح، مبينا تمتعهم بدرجة عالية من التأقلم مع حياتهم الجديدة، ووعد بأن يكون معهم حتى يحققوا جميع آمالهم وأحلامهم.
وأوضح أن العمليات التي تجرى مبكراً تكون نتائجها أفضل فالشخص يمكن أن يعطى بعض العلاج بالهرمونات مبكراً، والتي تحسن نتائج العملية الجراحية، أما من الناحية الاجتماعية فإن الحالات التي تشخص مبكراً، لا تمر عادة بصعوبات التحول من جنس لآخر كما يحدث في الحالات التي تشخص في سن متأخر، إذ تعاني تلك الحالات من بعض المصاعب في تعاملها واندماجها مع المجتمع المحيط بها، والذي لم يتفهم بشكل واعٍ الفرق بين التصحيح والتغيير.
وأكد د.أسامة أن الذين أجريت لهم عمليات التصحيح حياتهم الأسرية والزوجية على وجه الخصوص مستقرة، وأشار إلى أن هناك حالة تزوج صاحبها وأنجب ولداً، مما شجع الباقين على إبداء رغبتهم في الزواج وبناء أسرة سعيدة.
وعن تأقلم المتحولات مع المجتمع بشكل عام بعد تحولهن أوضح د.جمال أولاً أن هذه العمليات لا تؤثر على حياة الذين تم تصحيح جنسهم، حيث دلل على ذلك بأن ثلاثا من الشقيقات الخمس اللاتي أجريت لهن تلك الجراحة للتحول إلى ذكور يواصلون دراساتهم الجامعية والآخران فضلا العمل المهني ويعشون حياة مستقرة، وبين أن نجاح هذه العمليات وسهولة التحول إلى عالم الذكورة أو الأنوثة، يرجع إلى ما يتمتع به المريض من قوة شخصية وإرادة ورغبة في تصحيح وضعه.
الرؤية الشرعية
وشدد د.ياسر على أهمية التفريق بين تصحيح الجنس، الذي يعني تصحيح بعض الاختلافات لتصل بالشخص إلى الجنس الحقيقي، والتغيير الذي يعني التغيير الكامل من ذكر إلى أنثى أو العكس، وبين أن عمليات التصحيح تجرى طبقاً للرؤية الشرعية التي تجيز تلك العمليات، والتي أفتت بجواز تصحيحه وتحريم تغييره، علما بأن هناك بعض الحالات في الدول العربية تم تغيير جنسها باعتبارها حالات غير جائزة، ولا تدخل في إطار الشكل التصحيحي للجنس، وإنما هي أحد أشكال العبث بالهوية، وغياب الأخلاقيات الطبية.
وأوضح د. ياسر أن عمليات تصحيح الجنس ليست منتشرة بالسعودية فقط، بل في جميع الدول مشيراً إلى أنه أجرى مثل هذه العمليات لأكثر من 300 حالة من السعودية والعديد من الدول العربية والإسلامية.
وبين أن ندرتها في بعض الدول، هو نتيجة لعدم وضع أسس وقواعد تحديد الجنس في ضوء الأحكام الشرعية الصحيحة كما أن الغموض ساهم في اختفائها.
ويشار إلى أنه مع ارتفاع تكلفة عمليات تصحيح الجنس التي تصل إلى 100 ألف ريال سعودي (26.666 دولار)، فإن المستشفى الجامعي التابع لجامعة الملك عبد العزيز بجدة يجريها مجاناً بدافع اجتماعي وإنساني مساعدة للمرضى.
وجهة نظر علم الاجتماع
ومن وجهة نظر علم الاجتماع أكدت الأستاذة "سعاد بن عفيف" -المحاضرة بقسم علم الاجتماع بجامعة الملك عبد العزيز- أن عمليات تصحيح الجنس من ذكر إلى أنثى أو العكس تمت الموافقة عليها من الجهات الشرعية، لكنها تتساءل عن مدى تقبل المجتمع لها ومدى معرفة العديد من أفراد المجتمع أن هناك حالات تحتاج إلى تصحيح الجنس، سواء في سن مبكرة أو متأخرة مشيرة إلى أهمية وسائل الإعلام في تثقيف المجتمع.
كما اعتبرت افتتاح مركز لتصحيح الجنس بالسعودية هو مساعدة لمن هم في أمس الحاجة إلى تحديد وضعهم، وهو يعتبر شيئاً ضروريًّا في مجتمعنا، ومهمًّا للأفراد الذين يعانون الأمرين سواء من شكلهم الخارجي أو صوتهم أو مشاعرهم أو أعضائهم الداخلية أو أي شيء يوحي بما هو عكس ما هم عليه.
وشددت على ضرورة وجود توعية بالمشكلة لدى الآباء، لمتابعة التطورات الجسدية والسلوكية للأبناء للوصول للتشخيص والعلاج المبكر لتجنب المعاناة النفسية أو عدم القبول من الآخرين سواء قبل أو بعد عملية التصحيح.
*مراسل شبكة "إسلام أون لاين.نت" في السعودية، ويمكنك التواصل معه عبر البريد الإلكتروني الخاص بصفحة علوم وتكنولوجيا oloom@islamonline.net
فعلا موضوع شائك ، من الجهة البيولوجية والنفسية والشرعية
ردحذفوالاهم من كل ذلك الموقف الاجتماعي في تقبل مثل هذه الحالات والاعتراف بهم من جديد من حيث التفاعل والتواصل الاجتماعي ،كون المجتمع ما زال يرفض مثل هذه الحالات
تقبل مروري .............مدونتك غنية ورائعة
مشكور دكتورنا الغالي على المقال الرائع
ردحذفجزاك الله خيرا