مدونة ثقافية تعنى بالإبداع والابتكار والتنمية البشرية

اخر الأخبار

Post Top Ad

الأحد، 29 يوليو 2007

المياه محور الصراع القادم في المنطقة العربية

* أوزجان يشار

          عاش العرب طويلا يعتبرون المياه سلعة سهلة يمكن الحصول عليها دون عناء أو مشقة , فقد أغناهم الله  بنهر النيل والفرات وكذلك نهر الليطاني والأردن عن مواجهة أزمات الجفاف وصعوبة الحصول على المياه .
          واليوم نحن على مشارف حقبة تاريخية جديدة تتميز بالكثير من الأحداث ،مثل زيادة عدد سكان العالم العربي ونقص الغذاء  وسيطرة التكنولوجيا التي مهما تقدمت في جميع المجالات بعيدا عن الزراعة , فأنها لن تطعم مئات الملايين من الأفواه الجائعة التي تتزايد عاما بعد عام .
          الزراعة في حاجة إلى الماء سواء عن طريق المطر أو المياه الجوفية أو الأنهار . وقد شاهدنا خلال عقود ثلاثة  مضت أن المناخ في العالم بدأ  يتغير , وبدأت كثير من الأراضي خاصة في أفريقيا , تتصحر وقل المطر وجدبت الأرض ولم تعد صالحة للزراعة .
          بالإضافة إلى المخططات الأجنبية من أجل السيطرة  على مصادر المياه في الوطن العربي حيث يتوقع  الخبراء أن تتسبب ندرة المياه في منطقتنا بتصعيد التوترات في العالم وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط , حيث بدأ الجميع يدرك أن هناك مخططا ( إسرائيليا )  يستهدف نهري النيل و الفرات   بعد أن أصبح نهرا الليطاني و الأردن تحت اليد الإسرائيلية . و أمام  هذا  الخطر القادم ظهر في الأسواق المصرية حاليا كتاب حديث يتناول (( مستقبل المياه في العالم العربي )) للدكتور حمدي  الطاهري الذي يعرض فيه لمصادر المياه في الدول العربية وأنواعها واستخداماتها , ومدى وفرتها و دراسة للأنهار المشتركة  والعلاقات السياسية بين الدول التي تجري فيها الأنهار واحتمالات المستقبل بالنسبة  للوضع المائي لهذه الدول .
          أهمية هذا الكتاب تكمن في شخصية مؤلفه السياسي المخضرم الدكتور حمدي الطاهري الذي قضى جل حياته في العمل الدبلوماسي و السياسي جوالا بين مختلف دول العالم  فاكتسب بذلك الخبرة الطويلة التي جعلته كعربي غيور يوجه إنذارا من خلال كتابه للأمة العربية بأن تتيقظ  لأخطر قضية ستواجهها في المستقبل القريب وهي قضية المياه العربية , عصب الحياة , بل هي اصل الحياة , فمن الماء خلق الله سبحانه وتعالى كل شيء .
          يحتوي كتاب ((مستقبل المياه في العالم العربي ))   على 6 أبواب كاملة تتناول مشكلة المياه في عالمنا العربي وضرورة الحاجة إلى وضع استراتيجية عربية متكاملة بين دول الجامعة العربية مجتمعة وتوفير التمويل اللازم للمشروعات والاستثمارات العربية المشتركة في مجالات الري و الصرف وبناء السدود ومشروعات إزالة ملوحة مياه البحر .
          عند إلقاء الضوء على الصراع الدائر الآن  حول نهر النيل و أهميته لكل من مصر و السودان وإثيوبيا يورد  المؤلف لأحد التقارير الصادرة عن معهد الدراسات الإستراتيجية في واشنطن عام 1984 , حيث يقول التقرير أن تلك الدول سوف تعاني نقصا خطيرا مع نهاية القرن  الحالي بسبب ظروف الجفاف في (( المنابع الإثيوبية )) للنهر وأيضا بسبب الزيادة الهائلة في عدد السكان , حيث يصل هذا التقرير في نهاية حديثه عن الأزمة المائية في دول حوض النيل إلى أن ضغوط الجفاف و المجاعة ستدفع تلك الدول للدخول في مواجهات عسكرية  مع بعضها البعض ، إذ يشير التقرير إلى جفاف  المنابع الأثيوبية فقط مما يستدل منه على أن الدولة التي ستتضرر من هذا الجفاف هي مصر لأنها تصلها من المنابع الإثيوبية وبالتالي تبرز أهمية إثيوبيا  بالنسبة للأمن المائي لمصر .     وعلى الرغم من العلاقات  الجيدة  بين مصر وإثيوبيا  والزيارات المتكررة لوفود البلدين ,  فإن تنظيم مياه النيل يعد من المسائل المعلقة بين البلدين والتي لم يتم الاتفاق بشأنها .
          وفي الواقع فإن مشكلة المياه في مصر مشكلة إستراتيجية وليست مرتبطة بالارتفاع سنة والانخفاض سنة أخرى  ولا يجب بالتالي ربط مشكلة المياه بفترات الجفاف .
          يحلل  المؤلف الموقف باستعراض عدد من النقاط الجوهرية وهي :
1-    أن كل سكان مصر لا يتمتعون حاليا بمياه الشرب و المياه اللازمة للاستخدامات الأخرى وفق المستويات المطلوبة في هذا الشأن .
2-     أزمة الغذاء  على المستوى القومي والعالمي تحتم سرعة التوسع الزراعي أفقيا ورأسيا لتحقيق الأمن الغذائي . والمشكلة سوف تكون دائما تدبير الموارد المائية اللازمة . ولكي تحقق مصر اكتفاءا  ذاتيا في الغذاء ويحصل المواطنون على احتياجاتهم من مياه الشرب وللاستخدامات الأخرى في إطار الأسس المثلى لاستخدامات المياه , لا بد من توفير نحو 1800 متر مكعب سنويا من المياه لكل فرد على أرض مصر .
     هذا يعني أنه إذا كان عدد السكان 70 مليون نسمة فإنهم يحتاجون لنحو 85 مليار متر مكعب من المياه لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف المجالات .  وفي عام 2020 سيصل عدد السكان لنحو 100 مليون نسمة سيحتاجون لنحو 145 مليار متر مكعب من المياه . و أمام هذا الوضع  المتردي فأنه لا بديل عن إنشاء هيئة حوض النيل لتتولى مشروعات تخزين مياهه  و ترشيد استهلاكها و إنشاء بنوك للمعلومات  بأحدث الأساليب الهيدرولوجية و الأرصاد الجوية   النهرية واستعمال القياس الرياضي للتنبؤ بحجم فيضان النهر فضلا عن إنشاء مركز متقدم للتنبه بإيراد النيل عن طريق الأقمار الصناعية والتنبأ بحجم الأمطار قبل 6 أشهر من سقوطها على الهضبتين الإثيوبية والاستوائية لنعرف مقدما ، هل يفيض النهر هذا  العام أو لا يفيض , ولكن تبقى تساؤلات إثيوبية تبحث عنإجابات مصيرية خصوصا وأن لإثيوبيا  موقفا رسميا  من  اتفاقية مياه النيل حيث أنها ترى فيها ( اتفاقية لاثنين ) تخص طرفيها فقط مصر والسودان . و تطالب باتفاقية واسعة تشمل كل دول حوض النيل التسع .
     أما بالنسبة للوضع في السودان , فإن المطالب أقل بكثير من مطالب مصر , ذلك أن قلة سكانه البالغ عددهم 20 مليونا واعتماد الكثير منهم على الرعي و تمتع السودان بقدر من المطر المنتظم الذي يزداد في كميته كلما اتجهنا جنوبا باستثناء السودان الشمالي , كل ذلك يجعل السودان أقل حاجة إلى مياه  النيل من مصر إلا أن هذا لا يمنع من أن مشكلة مياه النيل تنحصر أساسا بين مصر و السودان وهي تتمثل في تنظيم جريان النهر وضبطه  حتى يمكن الإقلال أن لم يكن المنع من هدر مياهه . لهذا الغرض كان من الضروري وضع برامج  ثابتة لمشروعات ضبط النهر لمواجهة الاحتياجات المتزايدة من الماء في إقليمي مصر والسودان ، والتي اتفق عليها عام 1949 لتخزين المياه على نحو التالي :
1-    مشروع خزان بحيرة فيكتوريا
2-     مشروع قنطرة كيوجا
3-    مشروع خزان بحيرة (( موبوتو )) عند مخرج  النهر من بحيرة موبوتو لخزن الماء وتنظيم  صرفه .
4- مشروع قناة جو نجلي أو مشروع منطقة السدود , والذي يتضمن شق قناة جديدة  ينساب منها الماء بدلا من مجرى النيل في بحر الجبل . إلا أن الوضع الآن ما زال شائكا  بين الدول الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا.

      ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى أزمة مياه نهر الفرات التي وصلت  إلى ذروتها بين العواصم الثلاثة أنقرة وبغداد ودمشق في الثالث عشر من يناير ( كانون الثاني ) 1990 عندما أعلنت الحكومة التركية قطع منسوب نهر الفرات لمدة شهر بهدف تسريع إيصال الماء إلى سد أتاتورك الكبير في إطار مشروع  ري جنوب شرق الأناضول  .  وجاء هذا القرار الأخير ليصل بالعلاقات  السورية – التركية , والعراقية – التركية إلى درجة  التوتر الشديد رغم تأكيد الرئيس التركي تورجوت اوزال – في حينه - على أن قضية تحويل مياه نهر الفرات (( قضية تقنية وليست سياسية )) وان كانت جذور الأزمة  ليست وليد القرار التركي الأخير بل هي مدار بحث على مدى ثلاثين عاما بين الأطراف المستفيدة من مياه نهر الفرات .
     وما ينطبق على نهري النيل و الفرات ينطبق أيضا على أزمة المياه في نهر الأردن وكذلك الليطاني  ومحاولات إسرائيل الدءوبة للتحكم و استغلال منابع تلك الأنهار، و الحرب المائية بين كل من سورية  ولبنان و الأردن   من جهة , وإسرائيل من جهة أخرى , حيث أن الأطماع الصهيونية في المياه العربية ومحاولة اغتصابها قائمة منذ مطلع هذا القرن . وقد أراد الإسرائيليون أن يقننوا هذا الاغتصاب عن طريق رسم حدود هذا الاغتصاب أي رسم حدود تضم جميع منابع  المياه العربية حيث أنها ترنو إلى المزيد . فهي تحصل في الواقع على مياه نهر الأردن حاليا وتنهب مياه الليطاني . وكانت على وشك الحصول على جزاء من مياه النيل في عهد الرئيس أنور السادات ولكن لم يتم الأمر .
     ويرى الدكتور حمدي الطاهري أن المستقبل بالنسبة لاستخدامات المياه  في مصر و العالم العربي كله رهن بتطوير تكنولوجيا الاستخدام سواء في الزراعة أو الشرب أو الصناعة , معتبرا أن السياسات التي تنتهجها بعض الحكومات العربية حاليا بصدد المشكلة المائية ترقى إلى خطر الأزمة على الأقل حتى عام 2010 . فالمنطقة بأسرها تتميز بمحدودية مواردها المائية فيما عدا تركيا ، لأن إثيوبيا برغم أنها تعتبر خزانا مائيا فإن بها مناطق جفاف .
     أما تركيا فقد أقامت وصممت عدة سدود على نهري الفرات ودجلة ،ووجهة النظر التي أعلنها مسئولون أتراك رسميا تتخلص في أن المياه يجب أن تكون سلعة اقتصادية كأية سلعة اقتصادية أخرى . وموقف تركيا لا ينعكس عل العراق وسورية وحدهما , لكن الأمر له انعكاساته المباشرة وغير المباشرة علينا لأن تركيا دولة منبع وإقرارها لسياسة مائية جديدة سيؤثر على كل دول المنطقة . وستحاول دول المنبع الأخرى أن تحذو حذوها لاسيما وأن البعض يطالب بأن يكون الماء مقابل البترول .
     ويرتبط بذلك الوضع المائي بين إسرائيل من ناحية  وبين الأردن وسورية ولبنان من ناحية أخرى , فالجميع يعانون أزمات مائية وإسرائيل إذا لم توفر 60 مليون متر مكعب من المياه سنويا قبل عام 2010 فإنها لن تستطيع أن تحقق المستوى الحالي من التنمية رغم إستخدامها لكل التقنيات العلمية فهي في أزمة مائية إضافية .
      ومن المتوقع أن تبدأ المشكلات في الظهور بجدية بعد عام 2010 لأن الخطة التركية باستصلاح منطقة الأناضول ستنتهي مراحلها عام 2008 وسيبدأ الاستخدام الفعلي للمياه في هذا المشروع  الضخم ابتداء من عام 2010 وكذلك الحال بالنسبة لإسرائيل  وخصوصا إذا ما استمرت في جلب المزيد من المهاجرين اليهود !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه

Post Top Ad

الصفحات