يبدو أن "لغة العيون" تتسع يوما بعد يوم ولم يعد التغني بجمالها فقط هو ما يميزها.. وفي القديم قالوا إن نظرة عينيك تكشف عما يدور في داخلك.. واليوم نظرة عينيك ربما تكشف عنك أكثر مما تريد وتتسبب أحيانا في ذهابك إلى ما وراء القضبان.
فالعالم الآن يتجه إلى استخدام "بصمة الحدقة" في جميع مؤسساته من بنوك ووزارات ومطارات بل وسجون.
في مطار بوسطن على سبيل المثال، يقوم الآن العاملون والركاب بتسجيل بياناتهم وبصمات حدقاتهم.. وإن مطاري بوش ولويزيانا يمران بتجربة لمدة 90 يوم بتكلفة تقدر بـ5 ملايين دولار لتطبيق هذه التكنولوجيا، كما تستعد خمسة مطارات إنجليزية في خطة خماسية لإدخال "بصمة الحدقة" إلى "أنظمة الهجرة" في بلد يمر خلال مطاراته 90 مليون شخص سنويا، مطارات أمستردام بهولندا، فرانكفورت بألمانيا، مطارات كندا، بل ومطارات الإمارات المتحدة كلها تستخدم "بصمة الحدقة"، وزارات الدفاع والآثار في أمريكا والبريد البريطاني أيضا يطبقون هذه التكنولوجيا الجديدة.
باختصار.. فإنه في مطلع كل شهر جديد، يعلن مطار أو بنك أو أي مؤسسة جديدة عن العمل بنظام "بصمة الحدقة"، ولكن لماذا يتجه العالم إلى هذه التكنولوجيا بهذه السرعة الفائقة؟ لا شك أنها توفر له شيئا ما يرضي طموحاته الأمنية.
"نظرة" حاذقة إلى حدقتك
"الحدقة" هي الجزء الدائري الملون من العين والذي عادة ما يكون لونه أزرق أو بنيا، ويحيط ببؤبؤ العين، وهذا الجزء الدائري هو الذي يتحكم في نسبة الضوء الذي يدخل العين عن طريق فتح الحدقة وضمها بواسطة عضلة قابضة تتحكم في حجم حدقة العين فتسمح لمزيد من الضوء بالدخول للعين عندما يكون المكان مظلما وتسمح لكمية أقل من الضوء عندما يكون المكان منيرا.
أما "المسح الحدقي" iris scan فهو عملية تستجلى فيها المميزات الخاصة بحدقة كل إنسان من أجل التعرف على شخصيته.. وتبدأ الخطوات بتصوير العين بالفيديو ثم تحويل ما يقرب من 266 ميزة خاصة بالحدقة من بقع وهالات ودوائر وتجاويف وغيرها إلى شفرة رقمية بقوة 512 بايت (باستخدام علم اللوغاريتمات).
ويستخدم في التصوير كاميرا متخصصة يقف أمامها الشخص على بعد 8 إلى 30 قدما بحسب قوة الإضاءة ونوع العدسة.. وترسم هذه الكاميرا خريطة واضحة للحدقة بدايةً من الحروف الخارجية للحدقة والتي تفصلها عن البؤبؤ ثم تنتقل تدريجيا إلى المميزات الداخلية.
إن الرسم المعقد للحدقة جعلها أكثر عضو مميز في جسم الإنسان على الإطلاق وجعل "البصمة الحدقية" أكثر تفوقا في دقتها على كل الأنواع الأخرى التي تستخدم فيما يسمى بالقياسات الحيوية Biometry مثل: "بصمات الأصابع، بصمة الكف، الرسم الهندسي لليد، التعرف الوجهي، بصمة الصوت وبصمة الوريد.. حتى قيل إنها أكثر دقة من البصمة الوراثية نفسها.. ورغم أنها تفوق "المسح الشبكي" Retinal scan دقة وأمنا فإن "المسح الشبكي" يأتي مباشرة بعدها في دقته وتميزه.
فالمسح الحدقي يتميز عن غيره من الوسائل بعدم وجود حدقتين متشابهتين في حدق البشر حتى في التوائم المتماثلة، بل إن الحدقة اليمنى ذاتها مختلفة عن اليسرى في الشخص الواحد، بالإضافة إلى أن رسم الحدقة ثابت طوال العمر، حيث يتكون رسمه بعد 6 أشهر من الولادة ويثبت بعد سنة من العمر ويستمر في ثباته حتى الوفاة إلا في بعض العمليات الجراحية أو الحوادث النادرة، وعلى الشخص وقتها أن يعيد تسجيل بيانات حدقته.
كما أن التعرف على البصمة الحدقية للشخص لا يأخذ إلا ثواني معدودة، كما أن تسجيل البصمة لأول مرة لا يأخذ أكثر من ثلاث دقائق بل أقل، والنظارات والعدسات اللاصقة حتى الملونة منها لا تؤثر على المسح.. كما أنه لا ينبغي أن توسع العين من جفونها لالتقاط الصورة، وهذه العملية لا تحتاج إلى التصاق مباشر بالكاميرا، فلا تحتاج سوى بعض التعاون من الشخص، فالإحصائيات تقول إنه يوجد 1 من كل 8 أشخاص شعر ببعض القلق البسيط عندما تعامل مع الجهاز لأول مرة فقط.
والأنظمة الخاصة بالمسح الحدقي يمكن أن تطبق 1.5 مليون من المقارنات في الدقيقة الواحدة مع الحدقة المراد التعرف عليها.. وهي بذلك أسرع 20 مرة من أي أسلوب آخر.
معدل عدم التعرف | مستوى الدقة الأمني | |
المسح الحدقي
|
1/ 1.200.000
| عالي |
بصمة الأصابع
|
1.000/1
| متوسط |
بصمة الكف
|
700/1
| ضعيف |
التعرف الوجهي
|
100/1
| ضعيف |
بصمة الصوت
|
30/1
| ضعيف |
يتضح لنا من الجدول السابق أن المسح الحدقي هو الأكثر دقة وبساطة وخصوصية فيستحيل فيه أي نوع من التقليد.. إذن فأي مؤسسة تتعامل باستخدام المفاتيح، الكروت بأنواعها، الوثائق، الكلمات والأرقام السرية يمكن أن تستخدم هذا النوع من التكنولوجيا.
الحدقة.. تاريخ ومستقبل
فكرة استخدام رسومات الحدقة للتعرف الشخصي سجلت بوضوح في كتاب لجيمس دوجارت عام 1949 بل ربما تكون قد ذكرت عام 1936 بواسطة طبيب العيون فرانك بورخ. وبحلول الثمانينيات، ظهرت الفكرة مجددا في أفلام جيمس بوند السينمائية ولكنها ظلت في نطاق الخيال العلمي وذلك حتى عام 1987 حينما سجلت الفكرة رسميا من قبل طبيبي العيون الأمريكيين Aran Safir & Lenard Flom واللذين طلبا من جون دوجمان John Dougman العالم الإنجليزي (والمدرس بجامعة هارفارد) محاولة ابتكار لوغاريتمات خاصة للمسح الحدقي.. وبالفعل، بعد عدة سنوات تمكن دوجمان من تسجيل ابتكاره عام 1994.
وأسس العلماء الثلاثة مؤسسة آيريسكان “Iriscan" عام 1995 للعناية بهذه التكنولوجيا الوليدة وقد تفرعت منها مؤسسة "التكنولوجيا الحدقية" Iridian Tec. 2000 وهي الشركة الرائدة الآن في التطوير والأبحاث والتسويق الخاص بالمسح الحدقي فهي تطور كل جديد دائما بما أنه لا يوجد لها منافس في الأصل.
ومن أشهر وأدق الأجهزة في هذا المجال تلك التي تخص شركتي باناسونيك وإل جي، آخرها كانت كاميرا LG- 3000 الخاصة بالمطارات والحدود الدولية.
طبقت هذه التكنولوجيا في البنوك منذ عام 97 في إنجلترا، اليابان، أمريكا، وألمانيا، وبدأت المطارات أيضا في تطبيقها على موظفيها ومسافريها الدائمين منذ ذلك الحين، وهناك تجارب أولية في استخدامها في صفقات تجارية، وفي التصويب، وفي الطب الشرعي، ومعامل البحوث وغيرها.
كما أن هناك برامج وليدة طبقت بالفعل في عدة دول مثل أمستردام وأيسلندا وباكستان وسنغافورة.
حتى الآن تعد تكنولوجيا المسح الحدقي باهظة الأثمان إلا أنها تقل في أسعار أجهزتها وأحجامها يوماً بعد يوم.. كما أنه من المتوقع أن يرتفع سوقها من 1602 مليون دولار في 2002 إلى 210.2 مليون دولار في 2007.. وعامة فإنه من المتوقع مساهمتها في سوق القياسات الحيوية بـ5%.
أما الدول العربية فما زالت بعيدة عن مجال "المسح الحدقي" باستثناء الإمارات العربية المتحدة والتي تعد من أكثر الدول استخداما
-
المصادر:
عن اسلام اون لاين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه