شبكة الإنترنت دشنت عصرا جديدا في تاريخ البشرية ولم يعد بوسع أحد التحكم بسهولة في تدفق المعلومات مهما تعددت الحيل والوسائل للحد من هذا التدفق
م.عبدالرحمن مطهر ابوطالب *
فرضت الشبكة العالمية للمعلومات " الانترنت" نفسها في القرن الحادي والعشرين كقضية مركزية باتت تخلق نزاعاً حقيقيًّا وصداما في المنظورات بين القوى العالمية وتحول التنافس التكنولوجي إلى نزاع دبلوماسي جديد بين الأحادية الأمريكية والتعددية العالمية فواشنطن تعمل على منع الحكومات الراغبة في نقل الإنترنت من تحت السيطرة الأمريكية ممثلة بمنظمة "ايكان" الغير حكومية إلى سيطرة مؤسسة دولية عالمية أو مجلس عالمي للانترنت كما اقترحها الفريق المكلف من الأمم المتحدة لمناقشة إدارة الانترنت، ودون جدوى يقف العالم مكتوف الأيدي حتى الآن أمام تعنت الولايات المتحدة بشأن الانفراد بالسيطرة على الانترنت، في إطار أنها من شهدت نشأته وتطوره.
وبالتعرض لأصل المشكلة وهي أن شبكة الإنترنت لا تخضع لإدارة منظمة عالمية مثل شبكة الهواتف التي تدار من قبل "الاتحاد الدولي للاتصالات" الذي أسس عام 1865، حيث تخضع "الإنترنت" لإدارة منظمة خاصة غير حكومية تُسمى "مجموعة الإنترنت لأسماء العناوين والأرقام" أو "ايكان" حيث أقامتها الولايات المتحدة في عام 1998 لتتولى جميع مهام الانترنت.
ولم تكن هذه الأزمة وليدة اللحظة بل ضلت لأعوام طويلة كامنة في دوائر التقنينيين والفنيين والمهندسين ولم تنتقل إلى الدوائر الدبلوماسية إلا مؤخراً حين أفصحت حكومات عديدة عن رغبتها في إخضاع شبكة الإنترنت إلى اتفاقية دولية، متعددة الأطراف، على غرار شبكة الهواتف لأنها ترى أن منظمة "إيكان" هي أداة للهيمنة الأمريكية إذ تتمتع واشنطن بسلطة فوقية على المنظمة كما لا تتمتع لجنة المستشارين التابعة للمنظمة -المؤلفة من ممثلين من دول أخرى- بأية صلاحيات حقيقية. وقد وصلت ذروة ذلك النزاع في مدينة "جنيف" السويسرية ديسمبر 2003، التي استضافت "المؤتمر العالمي للأمم المتحدة حول مجتمع المعرفة"، والذي استُكملت مرحلته الثانية في تونس نوفمبر 2005. ومن أبرز الدول التي تعالت أصواتها ضد منظمة "إيكان" هي البرازيل والتي تعتمد بنسبة 90% على الإنترنت لجمع الضرائب وجنوب إفريقيا والصين وكوبا وسوريا وزيمبابوي وفرنسا.
ومن الواضح أن تلك الدول ترفض خضوع مثل هذه الأداة، التي تُوظف في تسيير عجلة الاقتصاد والمجتمع وحتى الحكومة خارج سيطرتها، خاصةَ إذا كانت سيطرة وهيمنة الولايات المتحدة هي البديل الوحيد.
وواشنطن ترفض هي الأخرى التنازل عن تلك السيطرة وهو ما أعلنته جلياً عبر وزارة تجارتها في 30 يونيو 2005.
وعلى الرغم مما تدعيه الحكومة الأمريكية حول "إيكان" بأنها منظمة غير مُسيسة وغير بيروقراطية، إلا أنها لاقت من الانتقادات والاتهامات الكثير. وتركزت الاتهامات حول نقاط ثلاث: انعدام الشفافية، وانعدام المسئولية، وانعدام الشرعية. فجماعات المجتمع المدني تشكك في أرباح المنظمة التي تذهب إلى جيوب رجال الأعمال الذين يمتلكون بعضاً من "أسماء الأملاك" ، والدول النامية تشكك في مجلس المنظمة الذي يتألف من 15 مديراً مسئولاً حتى الكونجرس نفسه يشكك في ذلك المجلس الذي لا يتوقف عن استدعائه واستجوابه بصورة دائمة.
والخلاصة أن ذلك يطرح للبحث سؤالا جوهريا عن مصير الانترنت؟ وقد تتعدد الأجوبة، لكن تبقى نقطة جوهرية مفادها أن هذه الشبكة أنهت عهودا بكاملها، ودشنت عصرا جديدا لم يعد بوسع أحد التحكم بسهولة تدفق المعلومات فيه مهما تعددت الحيل والوسائل للحد من هذا التدفق، وبصرف النظر عن طبيعة الرسالة التي تتضمنها هذه المعلومة أو تلك، فإن ما نخشاه ويخشاه الكثيرون أن هيمنة أمريكا على الانترنت تمكنها من تحويل الانترنت بين ليلة وضحاها إلى شيء من الماضي.
* عضو الرابطة العلمية للاعلاميين العلميين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه