غالبا ما يحمل الأطفل ما بين ثلث إلى نصف أوزانهم من الكتب والدفاتر داخل حقيبته المدرسية، مما يؤدي إلى انعكاسات خطيرة على أجسادهم النحيلة
بقلم:عادل الدغبشي
لا يدرك هؤلاء الصغار فضلا عن أهاليهم ما تخفيه هذه الحقيبة المدرسية من مخاطر وما يسببه جلساء أبنائهم _ونعني بهم الكتب – من آلام طالما اشتكى منها الصغار وعجز الكبار عن إيجاد تفسير لها.
حيث يشكو بعض الأطفال من آلام الرأس والصداع وغالبا لا يدرك الأهل أن السبب هو هذه الحقيبة الثقيلة، فغالبا ما يحمل الطفل ما معدله ثلث وزنه من الكتب والدفاتر داخل الحقيبة، وأحيانا قد يصل الحمل إلى نصف وزنه، حيث تدفعه لهفته وولعه المدرسة والكتب الجديدة إلى حمل أغلبها إن لم يكن أجمعها داخل حقيبته، و قد يستمر أحيانا في حملها طوال ساعات المدرسة.
وهذا الوزن الكبير يشكل مخاطر كبيرة على استقامة عموده الفقري. ولا ننسى جلوس الطفل لساعات طويلة مما يخفف من لياقته البدنية.
فقد أثارت دراسات نشرت مؤخرا مخاوف تتعلق بما يقوم به التلاميذ من حمل الحقائب المثقلة بالكتب، وقد أصبح هذا الأمر مصدر قلق واهتمام. وكذلك الأطباء الذين يرون في حملها مخاطر جمة خصوصا للأطفال الصغار، والذين نخصهم هنا بالأمر( حيث يتعرض لآلام الرقبة والكتفين وتقوس العامود الفقري ).
وتشير المعلومات الطبية إلى أن حمل حقيبة مدرسية ثقيلة على كتف واحدة كل يوم كفيل بأن يتسبب بأضرار بالغة بالعمود الفقري وقوام الإنسان. ويؤدي ذلك على المدى البعيد إلى الإصابة بضعف وظيفي في مناطق معينة في العمود الفقري وآلام مزمنة. كما يؤدي حمل الحقائب الدراسية لفترات طويلة إلى حدوث انزلاقات غضروفية أو نشوء وسائد مليئة بالماء بين عظام الفقرات ما يؤدي مستقبلاً إلى الإصابة بترقق العظام.
الطب يحذر:
تتسبب الحقيبة المدرسية الثقيلة بتغيرات جسدية سلبية وإصابات مثل تقوس ظهر الطفل نتيجة خلل في العمود الفقري أو جعل العضلات تعمل بشكل أكثر قسوة ما يتسبب في إصابتها بالتوتر والإجهاد. وتعتبر مشكلة "الحقيبة المدرسية الثقيلة" مشكلة عالمية تعاني منها الدول الأجنبية كما الدول العربية، وفي هذا الإطار أعلنت لجنة سلامة المنتج للمستهلك الأميركية أن أكثر من 3.3 في المائة من الطلبة ما بين الخامسة والرابعة عشرة تم علاجهم في غرف الطوارئ في السنة الماضية جراء إصابات لها صلة وثيقة بحمل الحقائب المدرسية. ولاحظت اللجنة في دراسة أجرتها عدم وجود استقامة طبيعية في العمود الفقري للطلاب المصابين، مشيرة إلى أن 7277 غرفة طوارئ في الولايات المتحدة استقبلت العام الماضي عدداً كبيرا من الطلبة غالبيتهم يعانون من إصابات أو آلام في الظهر وكلها ذات صلة بحمل الحقائب الثقيلة. ورأى أحد الأطباء ان "المسألة أصبح لها حجم الوباء، ومصدرا مرضيا قد يسبب تلفا يدوم مدى الحياة".
فرحة التلاميذ:
قد تنسي التلاميذ فرحتهم بعودتهم إلى المدرسة ثقل الحقيبة المدرسية في الأيام الأولى من الدراسة لكنهم سرعان ما يجدونها حملا كبيرا على عاتقهم يتوجب عليهم الاستمرار في حملها.
حيث تتشابه صورة الأطفال الذاهبين وهم عابسو الوجوه ومنهكون بسبب وزن حقيبتهم المدرسية التي تفوق وزنهم أحيانا، لكنهم يحملونها جيئة وذهابا إلى المدرسة يوميا في معاناة تتكرر على امتداد تسعة أشهر.
وكم يكون التلامذة سعداء في أيام الامتحانات الفصلية أو النهائية أو أيام العطلة والرحلات المدرسية حين لا يطلب منهم حمل حقيبة مدرسية، فعندها ينسون هم الامتحان ويفرحون لفكرة انطلاقة أجسادهم الصغيرة نحو الحرية.
ياسر عبد الله تلميذ في الصف الثالث يستيقظ في كل صباح متجها إلى المدرسة التي تقع في الحارة الأخرى على بعد حوالي اثنين أو ثلاثة كيلو متر وفي رأسه هاجس واحد، كيف سيحمل "شنطته" المدرسية الثقيلة ؟ وحين تراه في الطريق تجد الحقيبة تارة على ظهره وتارة على جنبه وتارة يضطر لحملها على رأسه. وقد يلزمه محطات توقف يريح بها عضلاته قليلا .
يشاركه نفس المعاناة زملائه التلاميذ حين لا يصدقون أنهم وصلوا إلى الصف ملقين بهذه الشنط بصورة تعكس مقدار القسوة التي يجدوها في حملها .
جوانب صحية نجهلها:
حين يتجه أولياء الأمور مع بداية كل عام لشراء المستلزمات المدرسية لأبنائهم وتهيئتهم للدارسة، وجلب الأفضل بما يتناسب وأذواق أولادهم واختياراتهم، تجدهم يغفلون إن لم يكونوا يجهلون الناحية الصحية في اختيار الحقيبة المدرسية بما يتناسب مع جسم الطفل وطوله ووزنه، وهو ما يحذر منه الأطباء الاختصاصيون لأن ذلك يجعل الأطفال عرضة لإصابات الظهر والإجهاد العضلي بشكل متزايد.
ودعمت دراسة حديثة أجريت عن حمل التلاميذ للحقائب المدرسية على الظهر هذا التحذير، إذ أظهرت أن التغيرات الصحية في وضع الجسم تتعاظم إذا كان وزن الحقيبة يزيد على 10% إلى 15% من وزن جسم التلميذ. وتقول دراسة طبية أميركية بعنوان "صلة الحقائب المدرسية بآلام الظهر عند المراهقين" إن الآم الظهر تتضاعف خلال فترة المراهقة بنسبة 50%، بسبب حمل المراهقين حقائب مدرسية مليئة بالكتب المدرسية الثقيلة.
البرنامج المدرسي أو جدول الحصص:
إذا اتجهنا إلى جدول الحصص الأسبوعي، باعتباره أحد الحلول لمشكلة الحقيبة المدرسية الثقيلة، والذي ينضم مقدار الكتب التي يتوجب على الطالب حملها لليوم الدراسي، سنجد أن هذه الأمر معمول به أو مهتم به في الصفوف المتقدمة، حيث يتم تجاهل العمل به في الصفوف الخمسة أو الستة الأولى من المرحلة الأساسية، والتي تعتبر الفئة الأهم في هذا الجانب، ومن تطالهم مخاطر الحمل الثقيل للحقيبة، مقارنة بأعمارهم وأجسادهم الصغيرة التي لا تستقوي هذا الحمل، وهم من حاولنا التركيز عليهم في هذا الموضوع.
الأستاذ جميل الذي يعمل مدرسا بمدرسة أساسية يقول : التلاميذ الصغار لا يستوعبون بالقدر الكافي معنى جدول الحصص أو قد يتناسونه وربما يضيع عليهم الجدول الذي أعطيناهم، كما أن التلاميذ في المرحلة الأولى قد لا يجيدون القراءة والكتابة فكيف نعطيهم جدولا للحصص، ما يعني أن التلميذ يضطر لحمل أغلبية الكتب وما يلزمه للدراسة كل يوم " .
الحاج ياسين وهو ولي أمر لتلميذ في الصف الخامس يقول " بعض الأهل يفرضون على أبنائهم حمل كل كتبهم يوميا، من أجل المدرس يدرسهم فيها كلها" وهذا يشكل عائقا أمام راحة التلميذ وصحته الجسدية.
مسئولية مشتركة:
معاناة الحقيبة الثقيلة تلقي بظلالها على صحة التلميذ، ويشكو الأهل منها بشكل دائم، وقد ولا يختلف الأمر كثيرا في الصفوف المتقدمة، لا سيما وأن وزن الكتب وأحجامها يزداد سنة بعد أخرى. ويتمثل دور الأهل في تعليم أولادهم كيفية حمل الحقيبة وعدم السماح لهم بحملها لمسافات طويلة واختيار الحقيبة المناسبة ومراقبة محتواها باستمرار.
وفي موازاة دور الأهل يبرز دور المدرسة في توجيه التلاميذ إلى اختيار الكتب التي عليهم حملها وتحديد البرنامج والكتب المطلوبة لليوم التالي، كما ويتعين على إدارات المدارس تأمين مساحات كافية لبناء خزائن ذات أدراج تتيح للطلاب وضع كتبهم.
منى والدة لثلاثة أطفال تستيقظ يوميا صباحا لتنظيف حقائب صغارها وإزالة المواد غير الضرورية منها، حتى يذهبوا إلى المدرسة بلا أعباء إضافية تزيد من صعوبة يومهم الدراسي، ولا تكتفي بذلك بل تعمد إلى حمل حقائب أولادها إلى الباص صباحا ثم إلى البيت مساء كي تتأكد من عدم تأثرهم بوزنها الثقيل.
احتياطات أساسية:
يقول طبيب العلاج الفيزيائي الدكتور احمد ناصر انه "يجب على المدارس اتباع إرشادات معينة من أجل مساعدة التلاميذ على تجنب أي أوجاع للظهر. وتتمثل أهم هذه الإرشادات بضرورة أن لا يتخطى وزن الحقيبة أكثر من 10 إلى 15% من وزن الطالب". ويعتبر أن حمل الشنطة المدرسية على الكتفين أمر أساسي ليتوزع الوزن تلقائيا على الجسم لأن حملها على كتف واحد يؤدي إلى تقوس الظهر. وحمل حقيبة ثقيلة يؤثر سلبا في عضلات الظهر والرقبة والأكتاف ما يتسبب في آلام وتشنج عضلي. وينصح الأهل بأن يشتروا حقائب لأطفالهم بحمالات محشوة كي لا تضغط الحقيبة على عصب الأكتاف وتتسبب في تنميل في اليدين.
ومن المناسب أن يراعي الأهل والعاملون في القطاع التربوي أن يكون وزن الحقيبة غير ثقيل وذات عجلات ليتمكن الطفل من جرها بدل حملها, بحيث لا يشكل عبئا كبيرا على الطفل, وأن يسمح الأهل لأولادهم باللعب بعد الرجوع من المدرسة ليستعيد جسمه نشاطه الطبيعي ولياقته البدنية.
وتؤدي إدارة المدرسة دور الرقابة فيما يتعلق بهذا الموضوع "كأن نفتح الحقيبة ونرى إذا كان التلميذ يتقيد بالبرنامج الدراسي، كما تراقب الإدارة وزن الحقيبة وترشد الأطفال إلى سيئات حمل حقيبة مدرسية ثقيلة على صحتهم الجسدية".
وتقول مديرة مدرسة الكوثر رنا إسماعيل أن فكرة خفض وزن الحقيبة المدرسية بدأت مع قسم الصحة المدرسية في مدارس المبرات الخيرية الذي قام بمسح ظاهرة التواء العمود الفقري لدى الطلاب نتيجة ثقل الحقيبة المدرسية. وتم تبعا لذلك تنسيق برامج توعية وورش عمل لتدريب التلامذة من عمر 8 إلى 12 سنة حول كيفية حمل الحقيبة المدرسية. وتشرح إسماعيل "انه بعد ذلك، تم تقليص حجم الدفاتر من خلال خفض عدد صفحاتها إلى 20 ورقة فقط.ومن ضمن الإجراءات أيضا منع الأطفال من أخذ ملف أوراق الامتحانات إلى البيت يوميا، وأخذه في المقابل مرة واحدة في الشهر فقط حتى يطلع عليه الأهل. وتعتمد إدارة المدرسة أسلوب الاستمارة الخاصة لمراقبة نظافة الحقيبة المدرسية ووزنها. وتوقع الاستمارة من الناظرة ومدير القسم وإذا وجد إشكال متكرر ترسل الإدارة إلى الأهل لتنبيههم إلى المشكلة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه