تم اكتشاف تقنية التناضح لتوليد التيار الكهربائي في عقد السبعينيات من القرن الماضي
المهندس أمجد قاسم *
تشكل قضية حصول الإنسان على الطاقة، أحد أهم التحديات التي تواجه البشرية في القرن الحالي، نظرا للتذبذب الكبير في توفير مصادر الطاقة التقليدية، والزيادة الحادة في استهلاك البشرية من الطاقة على اختلاف أنواعها بسبب التقدم التكنولوجي والصناعي.
وقد استغل الإنسان عددا كبيرا من مصادر الطاقة التقليدية وغير التقليدية، وبالرغم من تنوع تلك المصادر، إلا أن البحث عن مصادر جديدة، ما زال جاريا، وما زال العلماء والباحثين، يبتكرون طرقا جديدة في كل يوم، قد تبدو للوهلة الأولى غريبة وخيالية، إلا أن البحث العلمي الجاد والرغبة الأكيدة في التقدم والتطور، تجعل اشد الأفكار غرابة، حقائق مسلم بها في حال توفر الدعم والمساندة من قبل الجهات ذات العلاقة.
تقنية التناضح لتوليد التيار الكهربائي
في سبعينيات القرن الماضي، اقترح بعض الباحثين، استخدام تقنية التناضح لتوليد التيار الكهربائي، وهي تقنية مبنية على مبدأ بسيط للغاية، وهو أن تضخ مياه عذبة في جزء من حوض مفصول بغشاء شبه منفذ، وفي الجزء الآخر، تضخ مياه مالحة، مما يؤدي إلى أن تندفع المياه عبر الغشاء شبه المنفذ من الجزء منخفض تركيز الأملاح إلى الجزء الآخر ذي التركيز العالي، وخلال عبور المياه، يتم إدارة توربينات خاصة لتوليد التيار الكهربائي.
هذه الفكرة العلمية، واجهت مشكلة توفير الغشاء شبه المنفذ والقادر على تحمل درجة عالية من الضغط.
لقد عزز تقنية توليد التيار الكهربائي بالتناضح، الأبحاث التي قامت بها سيدني لويب من جامعة كاليفورنيا الأمريكية، حيث وجدت أن عملية تحلية المياه بالتناضح يمكن أن تستغل لإنتاج التيار الكهربائي، وقد تبني الفكرة تورليف هولت وتورتورنسن من مركز البحوث الترويجي SINTEF ، وفي عام 1997 عكف الباحثون في شركة ستاتكرافت النرويجية للطاقة المتجددة على تطوير تقنية الحصول على التيار الكهربائي من عملية التناضح، وبناء على دراسة لأعداد الأنهار في العالم، صرحوا أنه يمكن سنويا إنتاج حوالي 1700 تيراواط ساعة من الطاقة سنويا على المستوى العالمي.
عقبات وحلول
بالرغم من حداثة فكرة إنتاج التيار الكهربائي من عملية التناضح، إلا أن شركة ستاتكرافت قررت بناء أول محطة لإنتاج الكهرباء في العالم عن طريق استغلال هذه التقنية الجديدة، يقول الباحثون في ستاتكرافت انه يتوقع أن يتم انجاز العمل في هذه المحطة نهاية عام 2009، وسوف تبلغ مساحة المحطة حوالي 100 متر مربع بالقرب من مضيق أوسلو النرويجي، بطاقة إنتاجية تبلع أربعة كيلوواط، على أن يتم تطوير المحطة خلال السنوات القادمة لإنتاج 100 ميغاواط من الكهرباء سنويا.
وتعد مشكلة تصنيع الغشاء شبه المنفذ من المشاكل التصميمية المعقدة، إذ ينبغي أن يكون رقيقا ويقاوم الضغط الهائل للمياه، وللتغلب على تلك المعضلة، استعانت ستاتكرافت بمجموعة كبيرة من الباحثين لتطوير الغشاء شبه المنفذ والذي يستطيع أن يتحمل دفق مائي عال جدا، كما يستطيع أن يبقى المياه المالحة والمياه العذبة منفصلتين طوال الوقت.
يقول نائب رئيس شركة ستاتكرافت الباحث ستين إرك سكيلهاغن، إن الباحثين والعلماء الذين استعانت بهم شركتهم، قد تمكنوا بالفعل من إنتاج غشاء مصنوع من مواد بوليميرية ويجمع بين الرقة والمتانة، ويصلح للاستخدام في محطات توليد كهربائية تناضحية متوسطة الحجم.
من جهة أخرى، فقد دلت الدراسات أن كلفة إنتاج التيار الكهربائي، بهذه التقنية، مكلف وغير مجد اقتصاديا، يقول سكيلهاغن ( نحن لا نستطيع التنافس على أساس كفاءة الكلفة مع محطات تعمل بالغاز، لكننا قادرون على التنافس مع محطات توليد التيار الكهربائي بواسطة الرياح أو المد والجزر).
كذلك فإن من المعيقات التي تواجه هذه التقنية، قلة وجود مواقع مناسبة لإنتاج التيار الكهربائي بطريقة التناضح، إذ ينبغي أن تتوفر منطقة تتجمع بها مياه عذبة ومياه مالحة في نفس الوقت والمكان، وهذا الأمر موجود في عدد محدود من الأماكن في العالم.
أما أهم ما يميز تقنية توليد التيار الكهربائي بالتناضح، فهي أن هذه التكنولوجيا لا تتأثر بالعوامل الطبيعية المحيطة، كتذبذب هبوب الرياح، وقلة السقوط الشمسي وحجب أشعة الشمس بسبب الغيوم الكثيفة والأمطار والثلوج، ويعلق المهتمون بهذه التقنية، أن هذه الطريقة تعتبر رديفا للطرق غير التقليدية لتوليد التيار الكهربائي، وانه لا بد أن تستغل في حال توفرت الظروف المكانية المناسبة.
* كاتب علمي عضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه