المهندس أمجد قاسم
متخصص في تكنولوجيا الصناعات الكيميائية
كان للتقدم الملحوظ في علم الكيمياء أثر كبير على حياة الإنسان وتقدمه ورقيه ، فخلال عقود طويلة من الأبحاث والدراسات والاكتشافات ، أمكن للعلماء اختراع ما يزيد عن 80 ألف مادة كيميائية صناعية منذ الحرب العالمية الثانية ، فدخلت هذه المواد حياتنا اليومية وأصبحنا تعتمد عليها بشكل مباشر ، وتؤكد الدراسات أنه يتم ابتكار حوالي 1000 مادة كيميائية سنويا وتدخل في كافة نشاطات الإنسان اليومية ، ويعتمد عليها بنو البشر سعيا وراء الحضارة والمدنية الحديثة .
هذه الطائفة الكبيرة من المركبات الكيميائية تدخل في طعامنا وشرابنا وملابسنا ومستحضرات العناية الشخصية ومواد ومساحيق التنظيف وملطفات الجو وغيرها الكثير ، فهل حقا ان كافة هذه المركبات الكيميائية آمنة ولا تشكل خطرا على صحة الإنسان وسلامته ، وهل تم التحقق عمليا ومخبريا من معامل الأمان الحيوي الخاص بها .
المعلومات المتوفرة
يتطلب دراسة أثر أي مادة كيميائية على صحة الإنسان جهود كبيرة وأموال طائلة ، فاختبار التسرطن الخاص بالمواد الكيميائية يتطلب رصد مبلغ يزيد عن 300 ألف دولار وتجارب مخبرية لمدة أربع سنوات تطبق على ما يزيد عن 250 فأر اختبار ، هذه الأبحاث والدراسات يتجاهلها كثير من المصنعين المروجين للمنتجات الصناعية الحديثة سعيا وراء الربح المادي واختصارا للوقت اللازم لظهور النتائج التي قد تكون في غير صالحهم ، وطبقا لدراسات مجلس البحوث القومي الأمريكي ، فإن البشرية تستخدم 50 ألف مادة كيميائية بشكل واسع ، ويتوفر معلومات عامة عن سميتها وخطورتها لنحو 80 % من هذه المواد ، أما اختبارات التأثيرات الحادة الدقيقة الناجمة عن الاستخدام اليومي لهذه المركبات فهي متوفرة فقط لأقل من 20 % من هذه المركبات ، واختبارات التأثيرات المزمنة التراكمية والطفرات وقدرتها على إحداث خلل بيولوجي حاد في الخلايا ( السرطان ) فيتوفر لأقل من 10 % من هذه المركبات ، ناهيك عن عدم توفر معلومات لمعظم المركبات الكيميائية في حال تفاعلها مع بعض وإنتاج مركبات جديدة خطيرة للغاية .
أمثلة متفرقة
من الشائع جدا في كل بيت استخدام المنظفات الكيميائية سواء في غسيل الملابس أو لتنظيف الأرضيات والأطباق ، وتدل إحدى الدراسات الكندية أن هذه المنظفات تتسبب سنويا في تسمم مليون شخص ، سواء عن طريق ابتلاعها بشكل مباشر أو عن طريق استنشاق الغازات المنبعثة منها أو من خلال امتصاصها عن طريق الجلد ، والتجارب المخبرية تثبت بشكل قاطع أن عملية غسل الصحون والأطباق بهذه المواد تخلف أثر قليل منها يلتصق على جدران هذه الأوعية ويتراكم في كل مرة تتم بها عملية التنظيف ، وعند وضع الطعام الساخن في هذه الأواني التي تبدو نظيفة يلتقط الطعام بعض هذه المواد الكيميائية الخطيرة .
إن معظم مساحيق التنظيف تحتوي على مادة النشادر التي تتفاعل مع الكلور الموجود في مساحيق التبيض وينتج عن اتحادهما مادة الكلورامين السامة جدا ، كذلك فإن مساحيق التنظيف الخاصة بالغسالات تحتوي على مادة Naphtha المثبطة للجهاز العصبي المركزي وعلى مادة Diethanolsamine المسببة لتسمم الكبد وعلى مادة Chlorophenylphenol السامة جدا والمحفزة للتمثيل الغذائي ، بالإضافة لذلك ، فإن مساحيق التنظيف تحتوي على طائفة كبيرة من المركبات والعناصر الكيميائية المتفرقة كالفسفور والنفثالين والفينول والنشادر وبعض الأحماض الغير عضوية والتي تسبب لدى ملامستها للجسم ، الحساسية والطفح الجلدي والحكة الشديدة ، كذلك فقد شاع مؤخرا استخدام المطهرات والمعقمات في المنازل المخصصة لتعقيم الأرضيات والحمامات ، وهذه المواد تحتوي على الفينول والكريسول والتي تعمل على تعطيل نهايات العصب الحسي وتدمر الكبد والكلى والبنكرياس والطحال والجهاز العصبي المركزي ، أما ملطفات الجو ، فتمتلك قدرة عجيبة على تعطيل حاسة الشم عند الإنسان وتعمل على تغليف الشعب الهوائية والمجاري التنفسية بطبقة رقيقة من الزيت هي Methoxychlor المهيجة للجهاز العصبي المركزي .
وأضرار المواد الكيميائية المختلفة ، كثيرا ما تكون خارجة عن سيطرتنا اليومية ، فمياه الشرب التي تعقم بالكلور ، خطرة وغير صالحة لاستهلاك البشري على المدى الزمني الطويل ، والتجارب المخبرية التي أجريت حول الكلور دلت بشكل قاطع ، ان هذا الغاز يتصدر قائمة المواد المسرطنة وأنه خطر على صحة الإنسان ، أما مادة الفلور التي تضاف أيضا إلى المياه فهي أيضا سامة وأخطر من غاز الكلور المستخدم أصلا في الحروب الكيميائية .
مواد كيميائية مختلفة في كل مكان
إن المدنية تفرض علينا استخدام طائفة كبيرة من المركبات والمواد المجهولة الهوية لمعظم الناس ، فمبيدات الحشرات المنزلية المنتشرة في معظم المنازل ، هل هي حقا آمنة على بني البشر ، مع الأسف لا ، فهذه المواد السامة مسئولة عن طائفة كبيرة من الأمراض والعلل الخطيرة التي تصيب الإنسان ، كالربو والأكزيما والصداع النصفي وألام المفاصل والعضلات والتهابات الجهاز التنفسي ، والتهابات العين والغثيان والكحة والضعف العام وفقدان البصر ، كما أنها تتراكم في الخلايا الدهنية داخل جسم الإنسان وتؤدي إلى تلف الكبد والكلى والرئة وعلى المدى الزمني البعيد قد يصاب الأشخاص الذين يستنشقون هذه السموم باستمرار بالعقم وانخفاض الخصوبة وضعف القدرة الجنسية ومشاكل معقدة في الدورة الدموية والموت .
أما الشامبو والكريمات وكافة مستحضرات العناية الشخصية ، والتي أنتجتها الصناعة الحديثة وكانت عنوان للمدنية والرقي ، فيدخل في تركيبها عدد كبير من المواد الكيميائية المجهولة الهوية والتي لم تحدد مخاطرها بشكل دقيق ، ونستطيع أن نحدد أهم هذه المركبات التي أمكن التعرف عليها مخبريا ، ككبريتات الصوديوم و Sodium laurel sulfate والتي تدخل في صناعة الشامبو ومعاجين الأسنان ، هذه المواد يمتصها الجسم بسرعة وتتراكم داخل الدماغ وتسبب فقدان البصر على المدى البعيد ، كذلك فإن بعض مستحضرات التجميل تحتوي على مادة Lindane الخطيرة والمسبب لانهيار الجهاز العصبي عند الإنسان والسرطان .
لقد أصبح التعامل مع المركبات الكيميائية المختلفة ومواد التجميل ، موضة تروج لها كافة وسائل الإعلام ، فكم من سيدة وفتاة واجهت متاعب صحية جمة جراء استخدام مستحضرات التجميل المختلفة ، فكريمات تبيض البشرة التي تلجأ إليها النساء لتحويل لون البشرة السمراء إلى بيضاء دون رقابة طبية محكمة ، هي في الواقع مواد تحتوي على أشد وأخطر السموم على صحة الإنسان ، فالكثير منها يحتوي على مادة الهايدروكينون Hydroguinone وبعض المواد الزئبقية المنشأ ومادة Benzenediol وتعمل هذه المواد على تهيج صبغة الميلانين في الجسم وترسيبها داخل المفاصل والغضاريف وتحسس الجلد بشكل حاد كما تضر بشكل كبير بالسيدات الحوامل ، كذلك فإن مواد تقشير البشرة تحتوي على مادة البنكوين الخطيرة جدا والتي قد تتسبب في تبيض كامل الجسم وما ينجم عن ذلك من تلف خطير للجلد ، أما مادة الكورتيزون التي تستخدم لتفتيح البشرة فتعمل على زيادة نمو الشعر في بعض مناطق الجسم والحساسية بالإضافة إلى مخاطرها الصحية المعروفة كتثبيط الجهاز المناعي للجسم .
بدائل مناسبة لمنتجات كيميائية خطيرة
إننا في الواقع لسنا بحاجة إلى كل هذه المركبات والمواد والمستحضرات الصناعية المختلفة ، فالسعي وراء الإعلانات التجارية والانبهار بالمنتجات الحديثة لا يخدم المستهلك أبدا ،والمستفيد الوحيد هم أصحاب هذه الشركات الصناعية ،الذين يكرسون كل جهد ممكن للترويج لبضائعهم ومنتجاتهم ضاربين عرض الحائط بمصلحة المستهلك ، إن العودة إلى المنتجات الطبيعية هو خير بديل وهو الحل الأمثل لهذه المشكلة الكيميائية الخطيرة ، فالحناء يمكن أن يكون بديلا مناسبا للعناية بالشعر ، والزيوت النباتية المختلفة يمكن أن يكون بديلا مناسبا للعناية بالجسم والجلد، ومنظفات الأفران التي يدخل في تركيبها مواد قاعدية ( قلوية ) سامة ، فيمكن استعمال صودا الجير المذابة في الماء كبديل مناسب لإزالة الأوساخ والشوائب العالقة ، كما ينبغي التوقف التام عن استخدام ملطفات الجو واستخدام الخلطات العشبية ذات الروائح المناسبة والخل وعصير الليمون .
أما المنظفات الكيميائية المنزلية المخصصة لإزالة البقع وتنظيف الأرضيات ، فيجب الاستعاضة عنها بمزيج مكون من الخل وبيكربونات الصوديوم وحامض البوريك وقليل من الأمونيا السائلة ، ومبيدات الحشرات المنزلية فالتوقف التام عن استخدامها يجب أن يكون فوريا وبديلها المناسب مصائد الحشرات الورقية المغطاة بالصمغ وطاردات الحشرات الكهربائية الضوئية ، ولمن يستخدم كرات العث ( النفثالين ) والتي تتركب أساسا من مادة ( بارا داي كلوروبنزين ) الضارة بالكبد والكليتين والرئتين فيمكن الاستعاضة عنها بزيت الأرز وبعض المواد النباتية المنفرة للحشرات ، أما تعقيم الخضار والفواكه الطازجة فيمكن استخدام الخل لهذه الغاية بدلا من مواد التعقيم الكيميائية التي تباع في الأسواق .
إن إعادة النظر في كافة المنتجات الصناعية الكيميائية التي ندفع أموالا طائلة لشرائها أمر هام للغاية ، ودائما الوقاية خير من العلاج .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه