أوزجان
يشار
الموضوع
الذي تنوي الحديث عنه من اختصاصك إلا انك قليل الخبرة في الكلام أمام حشد أو جمهور
. لا بأس بذلك , فأنت لست وحدك من يعاني من رهاب الوقوف أمام جمع ليتحدث .
قد يكون من
المفيد أن نتذكر بأن الناس لا يكرهوننا ولا يتربصون بنا ولا ينوون اعتراضنا !
الحقيقة هي
أن الحضور يودون أن يصفقوا لنا, لم ذلك ؟ لأنهم بذلك يثبتون الحكمة من مجيئهم إلى
هذا الحفل !
إن الذهاب
إلى هذا الجانب المضيء من التفكير لطالما يقودنا إلى التغلب على مشاعر الخوف
السلبية و الاقتناع بأن الحضور يقف إلى جانبنا , أي أنهم يتمنون لنا النجاح عندما
نتحدث. ولكنهم أيضاً يودون منا كذلك أن نكون مستعدين كل الاستعداد , قادرين على
إدراك الحاجات والمشاكل الخاصة بهم . و بامكاننا أن نحقق هذه الأهداف و أن نمنح كل جمهور من المستمعين لنا
ما يشاء , وذلك باللجوء إلى الخطوات التالية :
لن أضيع
وقتكم سدى:
الوقت أغلى
ما يملكه الإنسان. ليس في يومنا ما يكفي من الوقت للقيام بكل ما نريد القيام به ,
مما يجعل أي نشاط يؤدي إلى هدر الوقت ,
عملا مثيرا للاستياء . و إذا ما أضاع المتحدث وقت السامعين , غضبوا منه وتوقفوا عن
الاستماع إليه . أما إذا سمعوا منه أن وقتهم لن يذهب سدى , فإنهم سوف يستمعون إليه
استماعا جيداً . ولكل مقام مقال , فإذا كنت تتكلم , مثلا , كمدير أو خبير مصرف
أمام جمهور يهتم بهذا الموضوع فعليك أن تختار استهلالا مناسبا , مما يؤدي إلى حسن الانتباه إلى ما تقوله . مثلا :
(( أشكرك
يا سيد ... على تقديمك لي . تحيتي إليكم جميعا أيها السادة . أود أن ابدأ ملاحظاتي
المختصرة بأن أطلب من كل فرد منكم أن
يتساءل : أين كان يمكن لنا أن نكون لولا الكومبيوتر في المصرف الحديث )) .
استهلال
سهل ؟! أليس كذلك ؟ أنما ينبغي لك أن تحذر الوعد بشيء لا تستطيع أن تفي به . لا
تستعمل كلمة (( المختصرة )) إلا إذا كنت تقصد ذلك تماما . ليس الخطاب الطويل
بمضيعة للوقت بالضرورة . قد تكون لك أسباب وجيهة بطلب وقت إضافي.
كذلك تجنب
العبارة التالية : (( في الدقائق القليلة المتاحة لي ... )) أو ما ماثلها . قد
تبدو لك أنها إشارات ممتازة , ولكنها تفسر بسهولة على أنها تعني : (( أنه ليس لدي الوقت الكافي للقيام بمهمتي على
خير وجه ، أو لعلها تعني للحضور أنهم لن يحصلوا على كل المعلومات التي يحق لهم أن يحصلوا عليها . إن السامعين ينقمون
على مثل هذه التلميحات . عليك أنت تدير مسؤولية الموازنة بين الموضوع و الوقت
المخصص لك .
و من
الطبيعي أنك لا تستطيع التلميح إلى مستمعيك بأنك لن تضيع وقتهم , ثم تسمح لنفسك
بالاستطراد البعيد عن الموضوع . كل كلمة تقولها , من البداية حتى النهاية , ينبغي
أن تكون لها علاقة بالموضوع . ومعنى ذلك أنه عليك أن تكون ناقدا صالحا لما تعده ,
بحيث تحذف أي شيء لا يتعلق بالموضوع . ابذل جهدك لتحقق هذا الإيجاز الوافي .
إنني
أعرفكم حق المعرفة
لا شيء
يجذب إليك انتباه السامعين , ويفرض عليهم الإصغاء إليك كالتعبير لهم عن حاجاتهم
واهتماماتهم الخاصة . ولكي تفعل ذلك ينبغي عليك أن تعرفهم حقا . إليك بالفقرة
التالية بعد الاستهلال السابق عن المصارف :
(( لدينا
في شركتنا ... كثيرون من الزبائن من الموزعين , مثلكم ممن يواجهون مشاكل حادة في
مجال السيولة النقدية )) .
لقد أصبت بذلك كل الإصابة في حديثك إلى جمهور من
أصحاب المحال الصغيرة على سبيل المثال . لقد قلت لهم انك تعرفهم
تمام المعرفة . لم تكتف بذلك بل
أضفت إليه انك على علم بأحد أكثر مشاكلهم أهمية وخطورة . ثم ألمحت كذلك إلى احتمال عرض الحل للمشكلة .
بذلك أثرت انتباههم إلى حد كبير .
لكل حشد من
السامعين أرضية مشتركة بالنسبة لموضوع ما
يهتمون به جميعا . إليك مثلا ما قالته
رئيسة تحرير إحدى مجلات الأزياء النسائية
في محاضرة لها في جمهور غالبيته من الرجال :
(( أعلم
أنكم لم تأتوا إلى هذا اللقاء بانتظار
سماع آخر أنباء الأزياء من باريس
أو نيويورك . ولكنكم تودون أن تعلموا مدى الوقت الذي ستصرفه نساؤكم في المتاجر في
هذا الخريف , وكيف ستكون حالتهن حين يخرجن منها )) .
لا ريب أن
هذا المثل يفترض أن لدى رئيسة التحرير نبأ مهما تريد أن تنقله إلى الحضور .
لا أحد يود أن
يصغي نحو ربع ساعة كي
يكتشف في النهاية أنه لم يجد أي جديد , أو أن شيئا لم يتغير .
و على هذا
الأساس أيضا , يريدك الحضور أن تعترف لهم بمدى ما يعرفونه في إطار الموضوع الذي
تتناوله . هذا شيء مهم يجب التعبير عنه . أن السامعين المحترفين يريدونك أن تقر لهم ولو بمستوى معين
من الخبرة والمركز الاجتماعي . لا يجوز للمتحدث أن يسيء إلى الحضور بالتلميح لهم
بأنهم جميعا مخطئون أو جاهلون , كالقلة من الناس الذين يرتكبون الأخطاء حقا , أو
يعانون من جهل بالأمور. مثل هذا القول يؤدي
أحيانا إلى نظرات باردة يوجهها
الجميع إليك , أو إلى صفير واستهزاء بك .
ينبغي لك
أن تعرف الحضور . إذا كنت لا تعرفهم , كان عليك أن تسعى لكي تعرف عنهم كل شيء تجب
معرفته عن هذه المجموعة . وإذا كنت تعتقد أن الأمر لا يستحق مثل هذا الجهد , فان
حديثك ليس له ما يبرره .
جودة
التنظيم :
تختلف
قراءة الجريدة اختلافا كبير عن الإصغاء إلى محاضرة . فأنت كقارئ
تستطيع أن تسيطر كل السيطرة على سيل المعلومات وان تعيد قراءة المادة ما
طاب لك ذلك . ولكنك كسامع , لا سيطرة لك على معدل تلقيك للمعلومات . وإذا لم تفهم
ما قبل على الفور , فانه لا قيمة له عندك .
و مما يزيد
الأمور تعقيد ان الناس لا يذكرون غير قسم
صغير مما يسمعون . ذلك يلقي عليك كمحدث , عبء تنظيم خطابك بحيث يمكن إدراك
المعلومات على أسهل وجه . يضاف إلى ذلك أنه يجب عليك أن تعطي السامعين وقتا كافيا
مسبقا لتنظيم عملية الإصغاء , بأن تلمح لهم بكيفية تنظيم كلمتك . واليك بقسم آخر
من الكلمة حول المصارف :
(( لمشكلة
السيولة النقدية وجهان ــ من وجهة نظرنا
ومن وجهة نظركم ــ أود أن أصرف بضع لحظات في مناقشة كل جانب قبل الانتقال
إلى الحل المحتمل لنا جميعا )) .
عند ذاك
يصغي الحضور إلى بحث جانبي المشكلة . ثم إلى الحل المقترح . لا حظ أهمية عبارتي ((
من وجهة نظرنا , ومن وجهة نظركم )) .
و سواء
قصدت أن تقرأ حديثك من نص مكتمل أو أن تلقيه معتمدا على ملاحظات مدونة أمامك , فان
حديثك ينبغي أن يشمل جملا وأقوالا قصيرة و واضحة ومنطقية . ينبغي لك أن توجه
السامع في طريقة عرضك للموضوع . خطوة خطوة . قد يحتاج ذلك إلى بعض البراعة . ينبغي لك أن
تذكر أن قراءة الحديث و الإصغاء إليه شيئان مختلفان .
إنني أعرف
موضوعي:
إن
السامعين يريدون السماع إلى المتكلمين الذين يستطيعون التكلم عن ثقة . لذلك ينبغي
لك أن تقول لهم انك مؤهل للحديث عن هذا الموضوع وإلا عدلوا عن التركيز على ما تقول
. وقد يكتفون بالإصغاء بإذن واحدة أحيانا . صحيح
أن بعض مسؤولية ذلك تقع على عاتق الشخص
الذي يقدمك , غير أن مثل هذا التنويه لا يأتي بالضرورة مستقلا , أو منعزلا . وقد يكون جزءا من الحديث نفسه . إليك بما جاء في
هذا الاطار في الحديث عن المصارف :
(( أن
مسؤولية البرامج التي يستخدمها جهازنا الكومبيوتري لدفع شيكاتكم المودعة تقع على
عاتقي بالذات . هذا يعني أنه ينبغي علي أن أتأكد باستمرار أن السيولة النقدية تغطي حاجاتكم )) .
لا حظ أن
التعريف بك وبكفاءاتك جاء بدون كبرياء أو
مبالغة . المهم في الأمر هو أن تنتقي الكلمات التي تعزز ميزة الإدراك و الاهتمام
عند الجمهور حين تعرض أمامهم خبراتك والأدلة الثبوتية على مؤهلاتك .
مرة أخرى
نقول أن التلميح إلى معرفتك بالموضوع ينبغي أن يعطى في أول مناسبة ملائمة أثناء
إلقاء الكلمة . لا شك أنك لاحظت هنا انه جاء بصورة طبيعية في سياق الحديث .
النقطة
الأهم :
مهما كانت
أهمية الموضوع , أو المتحدث , فان الحضور , على اختلاف أنواعهم , يميلون إلى شرود
الذهن أحيانا . لذلك تقع عليك مسؤولية حمل الحضور على الانتباه حين تصل إلى النقطة
المهمة حقا في موضوعك . و الواقع أن من الناس من يعتبر نفسه مخدوعا إذا لم تنبهه
إلى لحظات الإصغاء اللازمة . وإليك نماذج عن ذلك :
(( آمل أن
تتذكروا هذه النقطة . الحقيقة انها الفكرة الرئيسة التي جئت لأعرضها عليكم )) .
(( استنتاج
واحد لا غير يمكن الوصول إليه على أساس الإثباتات المتوفرة . ولعلكم توصلتم إلى
الاستنتاج ذاته بأنفسكم ... )) .
أنت ترى أن
التلميح يأتي على مرحلتين . لا تخش اعتبارك مكررا للكلام , أو قائلا ما لا لزوم
لقوله . أنك لن تكون كذلك . أنت في الواقع تقدم خدمة لطيفة للجمهور حين تنبهه إلى
النقطة التي يجب أن يتذكرها ــ حتى ولو انه لم يصغ إلى أي شيء آخر في الحديث .
ولكن ...
ما هي النقطة ذات الأهمية الأولى في حديثك ؟ لعلك تظن أن حديثك يشمل نقاطا كثيرة ,
وإنها كلها ذات أهمية واحدة . كلا ! ليس الأمر كذلك ! فكر ثانية . مركزية واحدة لا
غير . رجال السياسة الناجحون يعرفونها . هي في الحملة الانتخابية مثلا : (( إنني
سأعمل من أجلكم ... إذا انتخبتموني )) .
ناد نسائي
مثلا دعاك لإلقاء كلمة موجزة حول السندات معفاة من الضريبة , مأمونة كاستثمار ,
سهلة البيع إذا كان لا بد من ذلك . أي أن الفكرة الأساسية هي (( اعتبار السندات
المالية البلدية استثمارا )) . ولكن النقطة المركزية في الموضوع ليست بالضرورة
أكثر النقاط أهمية . لنصغ إلى بعض ما جاء في الحديث : (( ... غير أن السندات
المالية البلدية ليست بالاختيار السليم للجميع . هنا يأتي دور المستشارين الخبراء
في الاستثمار , أمثالي . لذلك أرجو حمل النصيحة التالية عند مغادرة هذه القاعة .
نصيحة من صديق , قبل توظيف الأموال في أي استثمار , تنبغي استشارة الخبير قبل كل
شيء .
واضح أن ((
أهم نقطة )) هي النقطة الرئيسية في الحديث . بدونها تذهب التلميحات الأخرى سدى .
وسواء كانت الدعوة لإقناع الناخبين بالتصويت لك أو لدعم مشروعك , أو لتوظيف
الاستثمارات , أو حتى لشراء (( حلويات ))
من الشام , فأنت هناك لسبب ما . عرف الجميع به . أشر إليه بوضوح .
الختام :
لا بد
للممثل على مسرح من فصل ختامي . كذلك لا بد للحديث من نهاية حكيمة وقوية . الناس
يريدونها , و ينتظرونها . أنهم سيقدرونها حين تقرؤها لهم شرط أن تنبههم إلى ذلك
كان تقول : (( إليكم بالخاتمة , أيها المستمعون . استعدوا للتصفيق )) . إليك ببعض
النماذج : (( أنتم جمهور عظيم . وأود قبل توديعكم أن أعرب عن تقديري بأن ... )) .
(( منذ
سنوات حدث شيء أود أن أشرككم فيه قبل أن نفترق )).
لا حظ أن
التلميح يتبعه شيء آخر : التفكير بفترة زمنية , أو بقصة قصيرة . تلك الإشارات قد
تكون مجرد ملهاة أو (( ترفية )) . أن الجمهور يستحق مثل هذا التكريم .
إن القصة
الحقيقية مقدمة عظيمة للخاتمة , شرط أن تكون ملائمة , فهي تجذب أنظار الجمهور , وتوجهه نحو الخاتمة . أليس هذا هو ما تريده ؟
لا شك أن
الأثر الذي لا تود أن تتركه وراءك هو الأثر الذي لا تود أن تتركه وراءك هو الأثر
السلبي بالنسبة لك أو لحديثك : لا تقل أبداً : (( حسنا . أحسب أنكم تتوقون إلى
القيام بأعمال أخرى )) . ان مثل هذا القول , حتى ولو كان يعبر عن واقع , يترك في
أفواه الجمهور طعما كريهاً . لا تقل (( أرى أن الوقت قد انتهى , لذلك ... )) . أن
الجمهور سيشعر أنه مخدوع , حتى ولو كان الوقت قد انتهى فعلا .
و مهما قال
لك الآخرون , فان الفقرة الختامية الجيدة ليست تكرارا للنقاط الرئيسية في حديثك .
التكرار يعني أنك لم تقم بمهمتك على خير وجه , وهو إثبات لهذه الحقيقة .
أن تقديم
شيء جديد ومختلف لجمهورك يعزز رسالتك العامة ويهيئهم لكلماتك الأخيرة . ينبغي لهذه
الكلمات أن تكون كلمات شكر , للسامعين
لأنهم منحوك وقتهم , وللمشرفين على البرنامج , إذا كان ذلك مناسبا , لأنهم وجهوا
إليك الدعوة . (( اشكر ... لأنه دعاني للمساهمة في هذا البرنامج , وأوجه إليكم
شكري الخاص . أنتم لم تكونوا الجمهور العظيم وحسب , ولكنكم جعلتم من وجودي معكم خبرة سارة لي من خلال جميع الوجوه أيضا ))
.
أخيرا لابد
من قطعة (( حلوى )) لك . بعد أن تنجز كتابة خطابك , خذ لنفسك بضع دقائق وأكتب فيها
التعريف بك ــ كلمة فكلمة . دعك من ذكر
اسم مدرستك , وبلدتك . ركز على القضايا المهمة : مؤهلاتك للحديث , والدافع
للإصغاء إليك . ثم لا تذكر أسمك إلا في نهاية التعريف تماما . هنا يقول قارئ
التعريف : أقدم إليكم ... مما يثير عاصفة
التصفيق .
ذلك هو
أفضل تقديم لك ... وترحيب بك .
المصادر:
مرشد
الخطابة , تأليف : ايد ولموث.
خطاب لا
خوف, تاليف : دوغ ستانيرت.
فن التخاطب
مع الجمهور, تأليف: ستيفين لوكاس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه