فاروق ابو طعيمة *
تحتل الأمومة في الإسلام حيزاً
كبيراً لما لها من دور وأثر في سلامة الفرد من الناحية البدنية والنفسية
والاجتماعية ولما لها من أثر واضح في تكوين علاقة الترابط الواجب بين أفراد الاسرة
الأب والأم والأبناء والإخوة وذوي القرابة والأرحام خاصة وأفراد المجتمع الإنساني
عامة . وعندما نتحدث عن الأمومة فإننا لابد من أن نتحدث عن الأم وهي الأصل الذي
جعله الله سبحانهُ وتعالى القرار المكين لتكوين الذكر والأنثى مصداقاً لقوله تعالى
في سورة المؤمنون"ثم جعلناه نطفةً في قرار مكين " آية /13
فالأنثى كما نلاحظ هي التي خصها
الله سبحانه وتعالى بشرف الأمومة التي من خلالها يحفظ النوع الإنساني من الانقراض
والهلاك وأسند إليها كذلك القيام بوظيفة الامومة من اجل ذلك ترى الانثى هي الام أو
التي ستصبح أُماً تتميز بالمودة والرحمة على طفلها وتلبي حاجته الفطرية والعقلية
ولما كانت الانثى الام تضطلع بهذا الدور العظيم وقد أحاطها الأسلام بسياج قوي متين
يتمثل بتربيتها جسمياً وعقلياً وروحياً واجتماعياً وحسب الأباء أو الأولياء الذين
يحسنون تربية بناتهم أن وعدهم الرسول
"ص" بدخول الجنة .
روى الأمام أحمد عن ابن عباس
رضي الله عنهما قال: "قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم :" من
وُلدت له ابنه فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده "الذكر" عليها ادخله
الله بها الجنة "
ويقول الرسول "ص"
:ثلاثة لهم اجران ....... ورجل كان
عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها
وعلمها فأحسن تعليمها ثم اعتقها فتزوجها .
وللأمومة في الإسلام مكانة عظيمة
لا تدانيها أية مكانة فكانت المرأة الأم من أهم بنود وصيته صلى الله عليه وسلم في
حجة الوداع حيث قال : ألا واستوصوا بالنساء خيرا )ويشمل الخير الذي أمرنا به النبي
صلى الله عليه وسلم كل أمر يجعل المرأة
أما كانت أم زوجة أم أختا أم بنتا تحيا حياة شريفة وكريمة بعيدة عن الاذلال
والاحتقار والامتهان والابتذال .
وأعطى الإسلام الأمومة دورا
قياديا عظيما في المجتمع يتمثل في ادارة شؤون الاسرة حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( والمرأة
راعية على بيت زوجها وولده ) متفق عليه
ولا أعتقد أن دورا تقوم به المرأة خارج بيتها أعظم من هذا الدور الذي ألقاه
الاسلام الحنيف على عاتقها واننا في هذا المقام أحوج ما نكون الى امهات قد حصلن على قسط وافر من العلوم الانسانية التي
تسهم في اعانتهن على القيام بهذا الدور العظيم الذي أكرمهن الله تعالى به كنساء
وأمهات فالمجتمع العربي والإسلامي على وجه الخصوص بحاجة ماسة الى تنشئة ملايين
الاطفال تنشئة اسلامية وسطية و صالحة تحصنه من امواج العولمة العاتية التي تسعي
الى اقتلاعه من جذوره هذا ان تمكن ذلك الناشيء الجديد ان يضرب جذوره الغضة الطرية
في ارض صلبة قاسية تدوسها أفكار العولمة والتي تسعى في ابسط الأحوال إلى تجفيف
منابع ذلك التواصل الاجتماعي بين الابناء والاباء في حين حذرالنبي صلى الله عليه
وسلم من هذا الخطر الذي يهدد الاسرة المسلمة وخاصة الأمومة والأبوة حينما يقول (
أن تلد تلد الأمة ربتها ) رواه مسلم
وذلك كناية عن كثرة العقوق وتجاوز آداب الاسلام وضياع الحقوق فيعامل الولد
( ذكرا كان أم انثى ) أمه معاملة السيدة لامتها الرقيقة ( أي العبدة ) ويقول
العلماء : وهي ظاهرة تدل على انتكاسة الخلق
وانتهاك حرمات الله تعالى في معاملة الوالدين .
فالام هي الحلقة الاولى في
التربية والتي تدفع أبناء صالحين وأقوياء الى المجتمع فالابن قد يكون عضوا
صالحا يبني مجتمعه ويسهم في نهوضه وتطويره أو أن يكون عضوا فاسدا معول هدم
لمجتمعه الذي ينتظره لخوض معركة
البناء والتنمية والتطور والارتقاء الى مصاف المجتمعات الراقية والمتقدمة في مجال
العلوم والتقنية من هنا نتوصل الى أهمية الدور الذي أناطه بها نبينا محمد صلى الله
عليه وسلم حين يقول: والمرأة راعية على بيت زوجها وفي رواية ( راعية
في بيت زوجها ) وكلتا الروايتين صحيحتين.
وتتجلى مكانة الامومة في
الاسلام عندما يقدم الاسلام الام على الاب في حسن الصحبة فقد روى الشيخان : جاء رجل الى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال يارسول من احق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك كررها ثلاثا
قال الصحابي : ثم من ؟ قال
الرسول : أبوك
ويعتبر الاسلام رعاية الامومة
بابا ومدخلا واسعا من أبواب الجنة روى
الامام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : رغم أنف,ثم رغم أنف, ثم رغم
أنف من أدرك أبويه عندالكبر أحدهما أو كليهما
فلم يدخل الجنة .
ويحذر الرسول صلى الله عليه
وسلم من ايذاء الامهات وخاصة السب والشتم غير المباشر وتلك الظاهرة
الاجتماعية السيئة التي اعتاد
عليها الكثير من الاطفال والشباب الامر الذي جعل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يحذر الابناء
منها حيث يقول في حديث رواه
الشيخان : من الكبائر شتم الرجل والديه
قالوا يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه ؟ قال : نعم يسب أبا الرجل فيسب
أباه ويسب أمه فيسب أمه ) متفق عليه
ويرسم الأسلام منهجاً
تربوياً فريداً للانثى التي ستصبح اماً وتنضم الى قافلة الأمومة لتربيتها على حب
الله تعالى والرسول "ص" لأنها القدوة لاطفالها وأبنأئها فاذا ما تربت
الأنثى على حب الله والرسول "ص" انتقل أثر ذلك إلى الأبناء بالقدوة ثم
نربي الانثى على حب الام والاب والاسرة التي تنتمي إليها فإذا كان جو الاسرة التي
تنشأ فيه الفتاة يتسم بالحنان والعطف والدف
والهدوء والثبات انعكس ذلك عليها عندما تصبح في أسرة جديدة مع زوجها
وأبنائها. وكذلك ينبغي تربية الانثى على حسن معاشرة المجتمع من أجل الأمتثال
لمطالب المجتمع والأندماج في ثقافته فتعلمها على احترام حقوق الجيران وعدم
الأستهزاء والسخرية وعدم الغيبة والنميمة ، وتقتضي الأمومة في الأسلام أن تعتني
بالفتاة أثناء مرحلة المراهقة من حيث التعليم وخاصة وجوب تعليمها الفرائض الدينية
لتنظيم سلوكها وعملها وفكرها وشعورها .
ويضع الأسلام اسسا عظيمة لإختيار الانثى التي ستكون أماً في
المستقبل ففي سورة التحريم جمعت الأية (5) أفضل الصفات التي تتخلى بها الانثى
الزوجة والام " ربه ان طلقكن ان يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلماتٍ مؤمنات
قانتاتٍ تائباتٍ عابداتٍ سائحات ثيباتٍ وأبكاراً" اية/5 ومن اسس اختيار
الزوجة او الام سلامتها من الامراض المعدية و الوراثية و سلامتها من الامراض
الظاهرة المنفرة كالجذام. والجرب وبعض الأمراض المعدية
وختاماً أخي المسلم وأختي
المسلمة فإن واجبات الأمومة كثيرة فعلى الام التي شرفها الله سبحانه وتعالى بهذا
الامر العظيم أن تقوم بواجبات الامومة كإرضاع أطفالها لان لبن الام يمد الطفل
بالمواد الغذائية اللازمة بالنسب المطلوبة
ولبن الام طازج دائماً وكذلك تقلل احتماالات النزلات المعوية ولبن الام سهل الهضم
وله اثر نفسي فهو يجعل العلاقة بين الام وولدها اقرب وأعمق وأكثر إرضاء لعاطفيتها
.
وتقتضي الامومة ايضاً ان تدرك
كل امرأة ان الامومة أسمى وظائف المرأة وأشرفها وخير ما تقدم للمجتمع ومن يعتبر
وجودها في البيت هدراً لطاقات المجتمع فإنه
إنسان محدود التفكير وعاجزعن تقدير اهمية ( ألإنسان) الذي تربيه امه فهي
التي تجعله بإذن الله عضواً ناقصاً في المجتمع
أو تجعله عنصر هدم وتدمير لمجتمعه الذي ينتظره لخوض عملية البناء والتعمير
* باحث وكاتب في القضايا العربية
والإسلامية المعاصرة والبيئة والتربية
farouqselawee@yahoo.com
farouqselawee@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه