الخنساء هي تماضر بنت عمرو ، وتكنى «أم عمرو». والخنساء لقب غلب عليها ، وهو يعني « الظبية ». وتشبيهها بالظبية يوحي بما لها من جمال . كانت البنت الوحيدة لأسرتها ؛ فكانت أثيرة ، يحنو عليها الكبير والصغير ، وكانت - بصفة خاصة - محببة لأخويها معاوية وصخر ، فبادلتهما حبا بحب .
والخنساء شاعرة بني سليم ، ذاع صيتها في الجاهلية والاسلام ، وحفظ تاريخ الأدب الكثير من شعرها في الرثاء. وقد عاشت معظم حياتها في الجاهلية ، وأنجبت أولادها قبل ظهور الاسلام ، الذي أدركته وهي متقدمة في السن. وفدت إلى النبي صلوات الله وسلامه عليه ، مع قومها ، وبايعته على الإسلام ، في السنة الثامنة من الهجرة . وقد رق لها الرسول عليه الصلاة والسلام . ويقال انه استمع لشعرها وهو يقول : «هيه يا خناس » ، مجاملة لها في حزنها.
ويروى أن أبا الخنساء كان من ذوي الجاه و الثراء . وكان كثير المفاخرة بولدي ، معاوية و صخر ، يشيد بذکرهما ، و يطاول غيره بهما .
وقد كان معاوية بن عمرو ، أخو الخنساء ، بطلا شجاعا ، يقود فرسان سليم للغارة و الاشتجار ، شأن فرسان القبائل في الجاهلية ، وكانت الخنساء آنئد، ما تزال في شبابها .
أو في سن الصبا. وكانت الغارات التي يشنها معاوية سببا في مصرعه . إذ نشأت بينه وبين هاشم بن حرملة ، سيد بي مرة . مخاصمة أدت إلى أن يقتتلا . فكان أن انفرد هاشم و دريد . ابنا حرملة ، بمعاوية ، و احتالا حتى قتلاه . فكان قتله والجد في الأخذ بثأره ، من أهم الأسباب التي أطلقت لسان الخنساء . لتكون شاعرة الرثاء الأولى.
وأما صخر، الأخ الثاني للخنساء ، فقد كان شريفا في بني سليم ، موصوفا بالحلم ، و مشهورا بالجود، و معروفا بالتقدم والشجاعة، ومحظوظا في عشيرته . وكان يتميز بعفة لسانه ، وترفعه عن الدنايا ، وذلك خلق يرفع شأن صاحبه ، ويحمل الناس على حبه. ولعل هذا الحق هو الذي جعل لسان الخنساء ينطلق ، فتقول هذا البيت ، الذي فتن القدماء ، وهو قولها :
وإن صخرا لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار
أما شجاعته فتتمثل في جده للأخذ بثأر أخيه معاوية ، وغاراته المتوالية على بني مرة للانتقام منهم . وقد استطاع - أول أمره - أن يقتل دريدا الذي قتل معاوية . ولكنه لم يقنع بذلك ، فتابع غاراته على بني مرة ، حتى أصيب بجرح قتال أودي بحياته .
وهكذا فقدت الخنساء أخويها معا. وكان معاوية شقيقها ، وكان صخر أخاها لأبيها ، غير أنها أكثرت الرثاء في صخر ، وفيه تقول من قصيدة مشهورة :
يذكرني طلوع الشمس صخرا وأذكره لكل غروب شمس
ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم ، لقتلت نفسي
ولكن ، لا أزال أرى عجولا وباكية تنوح ليوم نحس
أراها والها تبكي أخاها عشية رزئه أو غب أمسي
وما يبكين مثل أخي ، ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي
وقد تزوجت الخنساء رجلا من قبيلتها ، وهو مرداس بن أبي عامر السلمي ، وكان سيدا معروفا ، يلقب بالفيض لكرمه ، وكان ذا ثراء واسع ، يفيض به على المحتاجين ، وسائلي فضله .
وكان للخنساء أربعة بنين ، حضرت معهم وقعة القادسية ، سنة ست عشرة من الهجرة ، وأوصتهم - ليلتها – بقولها :
( يا بني ، إنكم أسلمتم طائعين ، وهاجرتم مختارين . والله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد. كما أنكم بنو امرأة واحدة ، ما هجنت حسبكم ، ولا غيرت نسبكم . واعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية ، اصبروا ، وصابروا ، ورابطوا ، واتقوا الله لعلكم تفلحون . فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجللت نارا على أرواقها ، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رسيسها، تظفروا بالغنم والكرامة . في دار الخلد و المقامة ) .
فلما أضاء لها الصبح ، با کروا إلى مراكزهم ، فتقدموا واحدة بعد واحد ، ينشدون أراجيز يذكرون فيها وصية العجوز لهم ، حتى قتلوا عن آخرهم . ولما بلغها الخبر قالت : « الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ، وأرجو ربي أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة».
تلك هي الخنساء ، إحدى شهيرات النساء ، في الجاهلية والإسلام ، وصاحبة أشهر المراثي في الأدب العربي ، وأم أربعة من الشهداء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه