الآبار : أما رؤية بئر الدار، فربما دلت على ربها؛ لأنه قيمها، وربما دلت على زوجته ؛ لأنه يدلي فيها دلوه، وينزل فيها حبله في استخراج الماء، وتحمل الماء في بطنها، وهي مؤنثة. وإذا كان تأويلها رجلا ؛ فماؤها ماله، وعيشه ؛ الذي يجود به على أهله. وكلما كثر خيره ما لم يفض في الدار، فإذا فاض كان ذلك سره وكلامه، وكلما قل ماؤه؛ قل کسبه، وضعف رزقه. وكلما بعد غوره؛ دل على بخله، وشحه، وكلما قرب ماؤه من اليد؛ دل ذلك على جوده، وسخائه ، وقرب ما عنده، وبذله لماله.
وإذا كانت البئر امرأة ؛ فماؤها أيضا مالها، وجنينها، فكلما قرب من اليد؛ تدانت ولادتها، وإن فاض على وجه الأرض؛ ولدته، أو أسقطته وربما دلت البئر على الخادم، والعبد، والدابة ، وعلى كل من يجود في أهله بالنفع من بيع الماء وأسبابه، أو من السفر ونحوه؛ لأن البئر المجهولة ربما دلت على السفر؛ لأن الدلاء تمضي فيها، وتجيء، وتسافر، وترجع بمنزلة المسافرين الطالعين والنازلين. وربما دلت البئر المجهولة المبذولة في الطرقات المسبلة في الفلوات (القفر من الأرض، والصحراء الواسعة ) على الأسواق ؛ التي ينال منها كل من أتاها ما قدر له. ودلوه، وحبله : تشبه بها، وربما دلت على البحر، وربما دلت على الحمام، وعلى المسجد الذي يغسل فيه أوساخ المصلين، وربما دلت على العالم الذي يستقى العلم من عنده ؛ الذي يكشف الهموم، وربما دلت على الزانية المبذولة لمن مر بها، وأرادها، وربما دلت على السجن، والقبر؛ لما جرى على يوسف في الجب.
فمن رأى كأنه سقط في بئر مجهولة، فإن كان مريضا؛ مات، وإن كان في سفينة، عطب، وصار في الماء، وإن كان مسافرا في البر؛ قطع من الطريق، ومكر به ، وغدر في نفسه، وإن كان مخاصما ؛ سجن، وإلا دخل حماما مكرها، أو دخل دار زانية.
وأما إن استقى بالدلو من بئر مجهولة، فإن كان عنده حمل؛ بشر عنه بغلام ؛ لقوله تعالى : (فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ) (يوسف: ۱۹) وإن كانت له بضاعة في البحر، أو في البر؛ قدمت عليه، أو وصلت إليه، وإن كان عنده عليل؛ أفاق، ونجا، وخلص، وإن كان له مسجون؛ نجا من السجن. وإن كان له مسافر و قدم من سفره ، فإن لم يكن شيء من ذلك، وكان عزبا تزوج، وإلا توسل إلى سلطان، أو حاكم في حاجته، وتمت له، وكل ذلك إذا طلع دلوه سليمة مملوءة، والعرب تقول : دلؤنا إليك بكذا؛ أي: توسلنا إليك، وإن لم يكن شيء من ذلك طلب علما، فإن لم يلق به ذلك ؛ فالبئر سوقه، واستقاؤه، وتسببه، فما أفاد من الماء ؛ أفاد مثله ، وإن مجه، أو أراقه ؛ أتلفه و أنفقه، قال الشاعر: وما طلب المعيشة بالتمني ولكن الق دلوك في الدلاء
وقال بعضهم: إذا رأى الرجل البئر؛ فهي امرأة ضاحكة، مستبشرة، وإذا رأت امرأة، فهو رجل حسن الخلق، ومن رأى أنه احتفر بئرا، وفيها ما ءتزوج امرأة موسرة، ومكر بها؛ لأن الحفر مکر، فإن لم يكن فيها ماء فإن المرأة لا مال لها، فإن شرب من مائها؛ فإنه يصيب مالا من مكړ، إذا كان هو الذي أحتفر، وإلا فعلى يد من احتفر ، أو سمیه ، أو عقبه بعده . فإن رأى بئر عتيقة في محلة، أو دار، أو قرية يستقي منها القادرون والواردون بالحبل، والدلو فإن هناك امرأة أو بعل امرأة أو قيمتها ينتفع به الناس في معايشهم، ويكون له في ذلك ذكر حسن؛ لمكان الحبل الذي يدلي به إلى الماء؛ لقوله عز وجل : واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا [آل عمران: ۱۰۳]
فإن رأى أن الماء فاض من تلك البئر، فخرج منها، فإنه هم، وحزن، وبكاء في ذلك الموضع، فإن امتلأت ماء ولم يفض ؛ فلا بأس أن يلقي خير ذلك وشره، فإن رأى أنه يحفر بئرا يسقي منها بستانه ؛ فإنه يتناول دواء يجامع به أهله. فإن رأى أن بئره فاضت أكثر مما سال فيها، حتى دخل الماء البيوت، فإنه يصيب مالا يكون وبالا عليه . فإن طرق لذلك حتى يخرج من الدار؛ فإنه ينجو من هم، ويذهب من ماله بقدر ما يخرج من الدار.
ومن رأى أنه وقع في بئر فيها ماء گدر؛ فإنه يتصرف مع رجل سلطاني جائر، ويبتلي بكيده، وظلمه، وإن كان الماء صافيا ؛ فإنه يتصرف لرجل صالح يرضى به كفافا. فإن رأى أنه يهوي، أو يرسل في بئر؛ فإنه يسافر .
والبئر إذا رآها الرجل في موضع مجهول، وكان فيها ماء عذب، فإنها دنيا الرجل، ويكون فيها مرزوق أطيب النفس، طویل العمر بقدر الماء، وإن لم يكن فيها ماء؛ فقد نفذ عمره. وانهدام البئر موت المرأة. فإن رأى أن رجليه تدلتا في البئر، فإنه يمكر بماله كله، أو يغصب، فإن نزل في بئر، وبلغ نصفها وأذن فيها، فإنه سفر. وإذا بلغ طريقه نال رياسة، وولاية، أو ربحا عن تجارة وبشارة. فإن سمع الأذان في نصف البئر، عزل، إن كان واليا، وخسر، إن كان تاجرا. وقال بعضهم: من رأى بئرا في داره وأرضه ؛ فإنه ينال سعة في معيشته ، و يسر بعد عسر ،قيل : من أصاب بئراً مطموراً قد أصاب بئراً مجموعاً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه