مدونة ثقافية تعنى بالإبداع والابتكار والتنمية البشرية

اخر الأخبار

Post Top Ad

الاثنين، 2 يونيو 2025

لماذا نتثاءب إذا تثاءب من بجوارنا؟ عن عدوى التثاؤب وسلوك الدماغ الاجتماعي!

 


هل التثاؤب مُعدٍ حقًا؟

 

ربما مررت بهذه التجربة من قبل: أنت جالس بكل هدوء، تشعر بالقليل من النعاس، ثم يتثاءب أحدهم بجانبك.

 

فجأة، وبدون وعي، تجد نفسك تتثاءب أنت أيضًا.

 

لماذا يحدث هذا؟

 

هل التثاؤب مُعدٍ فعلاً كما نقول دائمًا؟

 

ولماذا يبدو أن التثاؤب ينتقل بين الأشخاص بسهولة حتى عندما لا نشعر بالتعب؟

 

في هذا المقال الذي ننشره في مدونة إضاءات، نستعرض هذه الظاهرة من منظور علم النفس والسلوك الاجتماعي.

 

التثاؤب: أكثر من مجرّد تعب

 

التثاؤب (Yawning) هو فعل لا إرادي يشمل فتح الفم بعمق وأخذ شهيق طويل، يتبعه زفير.

 

من الناحية البيولوجية، يربط بعض الباحثين التثاؤب بتنظيم حرارة الدماغ أو زيادة الأكسجين، لكن هناك بعدًا آخر مثيرًا للاهتمام، وهو التثاؤب الاجتماعي.

 

بحسب الدراسات، التثاؤب قد لا يكون فقط استجابة بيولوجية للتعب أو الملل، بل له وظيفة اجتماعية أيضًا، ويبدو أنه مرتبط بقدرتنا على فهم مشاعر وسلوك الآخرين، أي "التعاطف" (Empathy).

 

العدوى العجيبة: تفسير التثاؤب الجماعي

 

ظاهرة "عدوى التثاؤب" (Contagious Yawning)، تعني أن رؤية أو سماع أو حتى مجرد التفكير في شخص يتثاءب يمكن أن يحفزنا على التثاؤب أيضًا.


وقد وجد الباحثون أن:

 

الأشخاص الأقرب إليك (عائليًا أو عاطفيًا) أكثر عرضة لتشارك التثاؤب معك.

الأطفال لا يُظهرون التثاؤب المعدي قبل عمر 4 إلى 5 سنوات، وهو العمر الذي يبدأ فيه تطور مهارات "نظرية العقل" (Theory of Mind)، وهي القدرة على فهم ما يفكر أو يشعر به الآخرون.

 

مرضى التوحد أو الفصام أو بعض الاضطرابات العصبية يُظهرون نسبة أقل من التثاؤب المعدي، بسبب ضعف القدرة على فهم مشاعر الآخرين.

 

كل هذه المؤشرات تدعم فكرة أن التثاؤب المعدي مرتبط بالقدرة على التعاطف.

 

الدماغ والتقليد: مرآة من الأعصاب

 

السر وراء هذه الظاهرة يكمن فيما يسمى بـ"الخلايا العصبية المرآتية" (Mirror Neurons) ، وهي مجموعة من الخلايا الموجودة في الدماغ تنشط عندما نقوم بفعل معين، وأيضًا عندما نراقب شخصًا آخر يقوم بنفس الفعل.

 

عندما ترى شخصًا يتثاءب، هذه الخلايا المرآتية تتفاعل كما لو أنك أنت من قام بالفعل، فتقوم تلقائيًا بتحفيز دماغك لإعادة نفس السلوك، أي التثاؤب.

 

هذا يفسر لماذا يكون التثاؤب سريع الانتقال بين الأفراد في غرفة واحدة، أو حتى من خلال مشاهدة فيديو لشخص يتثاءب!

 

بين التطور والبقاء: هل للتثاؤب فائدة تطورية؟

 

بعض علماء النفس التطوري يرون أن التثاؤب المعدي قد يكون سلوكًا اجتماعيًا له جذور قديمة جدًا في تاريخ البشرية، حيث ساعد الأفراد في الجماعة على مزامنة حالاتهم الذهنية.

فعندما يتثاءب شخص في مجموعة، قد يكون ذلك إشارة على التعب أو الحاجة إلى الراحة، فيقوم الآخرون بالتثاؤب أيضًا، مما يؤدي إلى تناغم في النشاط الجماعي، مثل النوم أو الاستعداد للراحة.

 

وهكذا، يصبح التثاؤب المعدي نوعًا من "الإشارات الاجتماعية اللاواعية" التي تحافظ على تناغم الجماعة.

 

لماذا لا نستطيع مقاومته؟

 

حتى إن حاولت مقاومة التثاؤب المعدي، ستجد نفسك في النهاية ترضخ له!

بعض الباحثين يرون أن مقاومة التثاؤب تشبه محاولة كبح العطاس أو الحازوقة، فهي ردود فعل تلقائية تتجاوز إدراكنا الواعي، وتنتج عن نشاط مراكز عصبية في الدماغ المتوسط.

 

كما أن التثاؤب نفسه لا يرتبط دائمًا بالنعاس. في الواقع، كثير من الناس يتثاءبون في مواقف غريبة مثل قبل الدخول في مقابلة عمل أو بعد التوتر – في إشارة إلى أن التثاؤب أيضًا قد يكون له وظيفة في تنظيم التوتر أو القلق.

 

تثاؤبك ليس لك وحدك!

 

في المرة القادمة التي تتثاءب فيها بعد رؤية شخص آخر يتثاءب، تذكّر أن دماغك ببساطة يعمل بطريقة "اجتماعية"، يستشعر سلوكيات الآخرين ويقلدها، وأن هذه العدوى ليست مرضًا، بل هي دليل على أنك تملك نوعًا من التعاطف والوعي الاجتماعي اللاواعي.


وفي حال كنت وحدك وقرأت هذا المقال ثم تثاءبت… حسنًا، يبدو أن التثاؤب قد انتصر مجددًا!

 

أمجد قاسم

X@amjad

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه

Post Top Ad

الصفحات