في السنوات القليلة الماضية، شهد العالم تسارعًا هائلًا في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، بدءًا من أدوات الترجمة التلقائية، مرورًا بالروبوتات الصناعية، وانتهاءً بالبرمجيات التي تكتب النصوص وتبتكر الصور والموسيقى.
هذا التطور المذهل خلق موجة من التساؤلات والقلق: هل سيأخذ الذكاء الاصطناعي مكان الإنسان في سوق العمل؟ وهل هناك وظائف مهددة بالاختفاء كليًا؟
الإجابة ليست بسيطة، لكنها باتت أكثر وضوحًا مع مرور الوقت. هناك بالفعل مهن وأعمال باتت مهددة بالزوال أو التقلص الحاد بفعل الأتمتة والذكاء الاصطناعي، وسنستعرض هنا أبرزها.
1- الوظائف الإدارية الروتينية
الوظائف التي تعتمد على إدخال البيانات، تنسيق الجداول، إرسال البريد الإلكتروني، أو تنظيم المواعيد، باتت معرضة بشدة للاستبدال.
برامج الذكاء الاصطناعي اليوم قادرة على أتمتة هذه المهام بدقة وسرعة تفوق البشر، دون تعب أو أخطاء.
لذلك، من المرجح أن يتقلص دور المساعد الإداري التقليدي، مع تحول هذه المهام إلى أنظمة ذكية.
2- خدمة العملاء والدعم الفني
شهدنا خلال السنوات الأخيرة صعود "روبوتات المحادثة" (Chatbots) التي باتت تتولى الرد على استفسارات العملاء في مواقع التجارة الإلكترونية والبنوك وحتى شركات الاتصالات.
هذه الأنظمة قادرة على التعامل مع آلاف الطلبات في الوقت ذاته، وتتعلم من تفاعلها مع المستخدمين لتصبح أكثر كفاءة. مع الوقت، ستقل الحاجة إلى فرق بشرية كبيرة لخدمة العملاء.
3- الترجمة والكتابة التقنية البسيطة
رغم أن الترجمة الأدبية لا تزال بحاجة إلى حس إنساني، فإن الترجمات التقنية والتقارير المهنية البسيطة باتت في مرمى الذكاء الاصطناعي.
منصات الترجمة مثل "ديب إل" (DeepL) أو "جوجل ترانسليت" أصبحت تقدم ترجمات دقيقة بدرجة تكفي لاستخدامها في الأعمال المكتبية أو التجارية.
كذلك، هناك برامج تكتب تقارير إخبارية أو مالية بشكل آلي، مما يقلل من الحاجة لبعض أنواع الكُتّاب.
4- القيادة والنقل
في الوقت الذي نرى فيه سيارات ذاتية القيادة تختبر على الطرقات، تزداد المخاوف من أن تختفي مهن مثل سائقي الشاحنات أو سيارات الأجرة.
شركات مثل "تسلا" و"وايمو" تعمل على تطوير أنظمة قيادة ذاتية تستطيع نقل الركاب أو البضائع دون تدخل بشري.
وعلى الرغم من أن الأمر قد يستغرق سنوات حتى يعمّم بالكامل، فإن الاتجاه واضح ولا يمكن تجاهله.
5- الوظائف في قطاع التصنيع والإنتاج
لطالما كانت المصانع من أوائل الأماكن التي استُخدمت فيها الروبوتات، لكن الذكاء الاصطناعي يضيف الآن بعدًا جديدًا.
فبدلًا من روبوتات تؤدي حركات محددة، يمكن الآن برمجة أنظمة تتعلم وتتأقلم مع التغييرات، وتؤدي مهام معقدة كالفحص والجودة والتجميع الذكي.
هذا التحول يعني أن وظائف كثيرة في خطوط الإنتاج قد تختفي أو تتحول إلى إشراف على الآلات فقط.
هل الأمر سلبي بالكامل؟
رغم الصورة القاتمة، فإن الذكاء الاصطناعي لا يهدد كل الوظائف، بل يخلق فرصًا جديدة أيضًا. المهن التي تتطلب إبداعًا، ذكاءً عاطفيًا، أو تفاعلًا إنسانيًا عميقًا مثل المعلمين، والأطباء، والمستشارين النفسيين، أو الفنانين، تظل في مأمن — بل يمكن أن يستفيد أصحابها من أدوات الذكاء الاصطناعي لتحسين أدائهم.
المعادلة هنا ليست "الذكاء الاصطناعي ضد الإنسان"، بل "الإنسان مع الذكاء الاصطناعي" ضد من لا يتعلم أو يواكب.
ختاما فإن المستقبل ليس للآلة وحدها، بل للإنسان الذي يعرف كيف يستخدمها. الذكاء الاصطناعي لن يقضي على جميع الوظائف، لكنه سيغير طبيعتها بشكل جذري.
من الضروري أن نعيد التفكير في المهارات التي نعلّمها ونتعلمها، وأن نكون على استعداد دائم للتكيّف. فالعمل، كما نعرفه، لن يبقى على حاله، ومن لا يتطور… يختفي .
أمجد قاسم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه