مدونة إضاءات

إضاءات مدونة ثقافية تعنى بالإبداع والابتكار والتنمية البشرية

اخر الأخبار

Post Top Ad

السبت، 20 سبتمبر 2025

الشغف وحده لا يصنع النجاح

 


كثيرًا ما تُقدَّم قصص النجاح الكبرى في صورة مبسطة: شاب أو شابة يتبع شغفه فيحقق إنجازًا باهرًا. 

 

هذه الرواية المُلهمة تبدو جميلة، لكنها ليست سوى نصف الحقيقة. فالشغف، رغم أهميته كشرارة أولى، لا يكفي وحده لصناعة قصة نجاح راسخة؛ بل إن الطريق أعقد بكثير، يتداخل فيه العمل الدؤوب مع الموهبة، وتتطلب محطاته معرفة صحيحة، ومجازفة محسوبة، وتفكيرًا علميًا قادرًا على حل المشكلات.

خذ مثال بيل غيتس: يُصوَّر أحيانًا على أنه مجرد طالب ترك جامعته ليلاحق حلمه، لكن الواقع أعمق من ذلك. فقد نشأ في بيئة داعمة، درس في مدرسة وفّرت له حاسوبًا في وقت كان امتلاكه نادرًا، وأمضى آلاف الساعات في التدريب والتجربة والخطأ قبل أن يلتقي شغفه باللحظة التاريخية لظهور الحاسوب الشخصي.

النجاح هنا لم يكن مجرد حماسة، بل ثمرة موهبة صُقلت بممارسة طويلة، وقرار جريء بمغادرة الطريق المألوف، إضافةً إلى تفكير علمي جعل منه قادرًا على تحويل الأفكار إلى منتجات عملية.

الشغف مهم، لكنه يشبه الشرارة: يضيء البداية ولا يُبقي النار مشتعلة. الذي يحفظ اللهب هو الوقود المتمثل في المثابرة والانضباط. كثيرون يبدأون بحماس ثم يتوقفون عند أول عقبة، بينما الناجحون الحقيقيون يواصلون رغم الملل والصعوبات، مستندين إلى عادة يومية من العمل الجاد والتعلّم المستمر.

ثم تأتي المعرفة الصحيحة لتوجّه الجهد في الاتجاه المناسب. فالعاطفة دون وعي قد تُهدر وقتًا طويلًا في طرق مسدودة. أما التفكير العلمي المنهجي، المبني على الفرضيات والاختبار والتجربة، فيمنح صاحبه القدرة على تقييم أفكاره بموضوعية وتصحيح مساره.

وإلى جانب ذلك، لا بد من المجازفة المدروسة؛ فكل مشروع ناجح يحمل في داخله لحظة قرار شجاع، لكن جرأته لم تكن اندفاعًا أعمى، بل حسابًا للفرص والمخاطر.

ولا يمكن إغفال أثر البيئة والظروف: العلاقات، الدعم الأسري، جودة التعليم، واللحظة المناسبة.

هذه العناصر قد تُسرّع المسار أو تعرقله، لكنها لا تُغني عن الجهد الشخصي، كما أن الاستعداد الجيد وحده قد لا يؤتي ثماره إن لم يقترن بفرصة مناسبة.

إذن، النجاح ليس شعارًا تحفيزيًا يختصر في عبارة “اتبع شغفك”، بل هو معادلة متكاملة:

  • شغف يشعل البداية.
  • موهبة تُميز الطريق.
  • معرفة صحيحة تُوجّه الخطوات.
  • مثابرة وانضباط يحفظان الاستمرارية.
  • مجازفة محسوبة تفتح الأبواب.
  • وتفكير علمي سليم يحوّل الفكرة إلى واقع.

هذه العناصر مجتمعة هي ما يصنع قصة نجاح حقيقية، لا مجرد لحظة عاطفية عابرة. ومن هنا، السؤال الذي ينبغي أن نطرحه على أنفسنا ليس فقط: ما الذي أحبه؟ بل: ما الذي أستطيع أن أتقنه وأطوره حتى أصنع به قيمة ومعنى؟.

فالطريق إلى الإنجاز طويل، لكنه مثمر لمن يجمع بين الحلم والقدرة والعمل، ويحوّل الشغف من مجرد شرارة أولى إلى نار متقدة تستمر حتى النهاية.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه

Post Top Ad

الصفحات