حازم يونس** |
الإعلانات الخاصة بالأعشاب وبعض الكبسولات الطبية التي يتم بثها عبر الفضائيات.. هل توجد معايير تحكم بثها؟ وما مدى مسئولية القناة التي يتم البث من خلالها؟ وهل هناك مسئولية تتحملها الجهات المعنية بصحة المواطنين؟.
هذه هي بعض من الأسئلة التي دارت في ذهني عند قراءتي للخبر الذي نشرته صحيفة الأخبار المصرية في 12 ديسمبر 2006، حول ضبط شركة تبيع علاج لفيروس الالتهاب الكبدي "C"، ولأمراض العقم، وأعشاب للتخسيس، ورفع الكفاءة الجنسية، وتبين أن هذه المنتجات غير مسجلة بوزارة الصحة، كما تبين أن حجم إعلانات هذه الشركة على الفضائيات وصل إلى مليوني جنيه ويبلغ حجم نشاطها وأرباحها 110 ملايين جنيه.
توجهت بهذه الأسئلة إلى دكتور علي عجوة أستاذ العلاقات العامة والإعلان بكلية الإعلام جامعة القاهرة، فأكد على أن الأمر يختلف في القنوات التليفزيونية الخاصة، عنها في الرسمية؛ ففي القنوات الرسمية القانون يلزم إدارة الإعلانات بالتأكد من حصول المنتج المعلن عنه على موافقة وزارة الصحة، بل ويتم التنويه عن ذلك في الإعلان. أما في القنوات الخاصة فلا يوجد قانون يحكمها والأمر يتوقف في هذه الحالة على مدى مصداقية القناة واحترامها لجمهورها، فإذا تعددت الشكاوى من المنتجات التي يتم عرضها من خلال القناة فستفقد القناة مصداقيتها وتتحول إلى قناة صفراء أشبه بالصحف الصفراء التي يبتعد عنها الجمهور بعد أن فقدت مصداقيتها.
مسئولية شركة الإعلانات
إذًا فالأمر وفقا لما قاله د.عجوة يرجع في الأساس إلى احترام القناة الخاصة لنفسها، وهو ما دفعني إلى الاتصال بالدكتور عاطف عبد الرشيد مدير قناة "الناس" -وهي الأكثر بثا لتلك الإعلانات- لأسأله عن مدى حرصهم على مصداقية الإعلانات التي تبث من خلال القناة؛ ففوجئت به يتنصل من المسئولية ويلقي بالتبعية على شركة الإعلانات المتعاقدة مع القناة.
فالقضية من وجهة نظر د. عبد الرشيد ترجع لمصداقية الشركة وليس القناة، وبالتالي فإن الشركة هي المسئولة عن التأكد من حصول المنتج المعلن عنه على موافقة وزارة الصحة وليس القناة، ويكون أي خطأ انتقاصا من مصداقية الشركة وليس القناة!.
دجالو العصر الحديث
فهممت بالاتصال بشركة الإعلانات التي تتعامل معها القناة، خاصة أن رئيس القناة سهل عليَّ المهمة وأعطاني رقم الهاتف المحمول الخاص برئيس الشركة، ولكني تنبأت بالسيناريو الذي سيحدث؛ فالطبيعي أن رئيس الشركة سيرمي الكرة في ملعب القناة ولن أخرج بنتيجة.
فقلت لنفسي لأكن عمليا ولأبحث عن أفضل الوسائل التي يمكن من خلالها وقف الظاهرة، وهو ما حدث بالفعل، حيث اتصلت بالدكتور محمود عبد المقصود أمين عام نقابة صيادلة مصر وسألته عن دور النقابة في وقف هذه الظاهرة على اعتبار أن المنتجات التي يتم بيعها تتعلق بشكل أو بآخر بالأدوية، فأكد د. عبد المقصود أن النقابة تكون مختصة بهذا الأمر إذا نما إلى علمها تورط صيدلية في بيع هذه المنتجات أو اشتراك صيدلي في الترويج لها. أما بخلاف ذلك فنحن لا نملك فعل شيء، خاصة أن مروجي هذه المنتجات لا يعلنون في الغالب عن مكان لهم، بل يعلنون عن هواتف يتم الاتصال بها، ثم يتولون هم مسئولية توصيل المنتج؛ فهم يعملون بالخفاء كالدجالين ولكن لكل عصر أساليبه.
ولم يختلف رأي نقابة الأطباء عن الصيادلة، فقد حصر –أيضا- د. حمدي السيد نقيب الأطباء مسئولية النقابة في حالة تورط أحد الأطباء في الترويج لهذه المنتجات، ويتوقف ذلك على تلقي النقابة لشكوى تفيد ذلك؛ لأنه ليس من المعقول -وفق رأيه- أن تخصص النقابة أشخاصا مسئولين عن متابعة القنوات الفضائية لتقييم ما يتم بثه من خلالها.
حيلتنا محدودة
أما وزارة الصحة -الجهة المنوط بها إعطاء التراخيص- فقد تنصلت هي الأخرى من المسئولية.. وقال د. سيد العباسي مدير المركز الإعلامي بالوزارة إن المسئولية تقع على القنوات التلفزيونية التي ينبغي أن تتأكد من حصول المنتج على موافقة مكتوبة من وزارة الصحة.
ولكن رغم ذلك فإن الوزارة -حسب تأكيده- تحاول بقدر الإمكان السيطرة على هذه الظاهرة، فإذا كانت الوسيلة الإعلامية التي يتم الإعلان بها تابعة للدولة كالصحف القومية أو التليفزيون المصري يتم مخاطبة الجهات المسئولة بهذا التجاوز، وقد قمنا بذلك بالفعل، حيث أرسلنا خطابا للمجلس الأعلى للصحافة بالتجاوزات التي ترتكبها الصحف، وأرسلنا خطابا مماثلا لوزارة الإعلام.
أما إذا كانت الوسيلة الإعلامية خاصة ففي هذه الحالة تكون حيلتنا محدودة ويقتصر ما نقوم به على استخدام أساليب الخداع للإيقاع بالشركة المروجة للمنتج؛ حيث يقوم مسئولو إدارتي التراخيص الطبية والصيدلة، وهما الجهتان المعنيتان بالأمر، بالاتصال بأرقام التليفونات التي تتضمنها الإعلانات، ويتم نصب فخ للإيقاع بمروجي هذه المنتجات وذلك بالتنسيق مع رجال الشرطة.
ولكن -والكلام لا يزال للدكتور العباسي- لن تجدي هذه الوسائل في القضاء على الظاهرة، ما لم يكن هناك التزام من القنوات التلفزيونية بأخلاقيات الإعلان.
الكرة في ملعب الجمهور
خرجت من الآراء السابقة بنتيجة مفادها أن المسئولية تتحملها الشركة المنتجة، أما القناة فلا يوجد قانون يعاقبها، خاصة إذا كانت قناة خاصة.
وحتى تكتمل الصورة كان لا بد من عرض هذه النتيجة على أساتذة القانون التجاري، فأكد د. خالد المصري أستاذ القانون التجاري بجامعة بني سويف إحدى الجامعات بصعيد مصر أنها إلى حد ما صحيحة؛ فوفقا لقانون قمع الغش والتدليس الصادر سنة 1994 يشترط أن تحصل أي جهة منتجة لمواد غذائية أو صحية على موافقة وزارة الصحة، وفي حالة عدم الحصول على هذه الموافقة يكون من حق الجهات المعنية مساءلة هذه الشركة قانونيا بتهمة جنائية يتضمنها القانون وهي "الدعاية الكاذبة".
أما القناة التي يتم الإعلان من خلالها فلا يمكن ملاحقتها جنائيا؛ لأنها وفق القانون شخصية اعتبارية، ولكن –فقط- يمكن ملاحقتها مدنيا، ولا يتم ذلك إلا إذا قام المستهلكون المتضررون برفع دعوى تعويض على الشركة المنتجة والقناة المعلنة.
إذًا فالكرة في ملعب الجمهور الذي يمكنه ملاحقة تلك القنوات قضائيا وتغريمها ماديا، وقبل ذلك يمكنه مقاطعتها، وهذا أفضل عقاب.
| ||
عن موقع اسلام اون لاين | ||
**محرر بأسرة "إسلام أون لاين.نت"، ويمكنك التواصل معه عير البريد الإلكتروني الخاص بالصفحة oloom@islamonline.net. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه