مدونة ثقافية تعنى بالإبداع والابتكار والتنمية البشرية

اخر الأخبار

Post Top Ad

الجمعة، 4 يوليو 2008

اكتشافات جديدة حول دور الأحلام في حياتنا

عبد الله كرمون

 ذكّرتْ دومينيك لوغلي، مديرة تحرير مجلة "العلوم والمستقبل"، في افتتاحية عدد يونيه/حزيران الحالي، بتلك الحكاية التي يحلو دوما للطلاب التندر بها على كراسي كليات العلوم. يتعلق الأمر بالحلم الذي طالما رواه أحد كيميائيي ألمانيا في القرن العشرين ألا وهو أوغيست كوكولي (1829_1896). رأى في منامه الثعبان المعروف بالأوروبوروس، وهو يعض ذنبه ويرسم دائرة إذ ينسدّ على نفسه. أكد العالم الألماني أن الأمر الذي أشكل عليه، وظل يبحث عن حله، قد مَثل أمامه في ذلك الحلم. ذلك أن جزيئة البنزين المركبة من ست ذرات من الكربون وست ذرات أخرى من الهيدروجين لابد أن يكون لها شكل دائري، إذ رآها تتلوى مثل ثعبان!
تساءلت دومينيك إن كان ما خلص إليه كاكولي هو حلم أم حقيقة؟ ذلك أن الجزيئة المعنية تتخذ لها حقيقة شكل خاتم. لقد اكتشفها إذن بقوة التخيل والحلم، خاصة أن الأدوات التقنية الدقيقة الكفيلة بتحقيق ذلك النوع من النتائج العلمية لم يكن متوفرا بعد آنذاك.
لقد اكتفت الإنسانية، على الدوام، بتأويل الأحلام، مثلما نجد في الكتب الدينية ولدى ابن سيرين وفرويد، أما اليوم فقد وقف فيه العلماء على خصائص جديدة للحلم تتجلى بالأساس في مساهمته في تقوية الذاكرة ودعم آليات التعلم.
 ذلك ما سوف نثيره من خلال التعرض للملف الذي خصصته المجلة لهذا الموضوع والذي أعدته إلينا سوندرين مراسلة المجلة من جنيف.

الدماغ في مدرسة الليل:
عندما ينفتح باب النوم ينغمر الدماغ في اللاوعي، لكن جهة من القشرة الدماغية، التي كانت نائمة منذ لحظات، تستيقظ فجأة. وتبدأ في خلق صور وأصوات ومشاعر. وتتوالى سلسلة من الأحداث والمجريات التي قد تكون منطقية أو فقط، اندفاعا لا معقولا وغريبا، مادامت المنطقة المسئولة في الدماغ عن الحكم والعقل النقدي مغيبة. فنرى مثلا امرأة برأس دجاجة وهي تطاردنا في الشارع. لكن ما هي حقيقة وظيفة هذه الظاهرة الدماغية المدهشة؟
يبزغ اليوم بعض النور بخصوص هذا السؤال، نظرا لما عرفته الدراسات العلمية في حقل الدماغ من تقدم، بما فيها مجال الصورة الدماغية. لهذا كله ظهرت نظريات جديدة في العلاقة مع أحلامنا.
لقد عكف البروفيسور أنتي روفينسيو، المتخصص في علم النفس بجامعة توركو جنوب فنلندا، على دراسة العديد من نصوص الأحلام التي وفرها له اثنان وخمسون من طلبته إذ سجلوها على مدى شهر. كان هدف هذا الباحث هو البرهنة على فرضيته الجديدة "تمثيل الخطر"، ويوضحها كالتالي:
"الحلم هو منظومة طبيعية "لحقيقة محتملة" ينتجها الدماغ. نظريتي تؤكد أن منظومة التمثل هذه تصلح لأن تعلمنا التشبث بالحياة، كي تدفع بنا لأن نواجه المواقف اليومية الخطيرة".
"في الوقت الذي لا نعرف فيه، على العموم، في حياتنا اليومية أي تهديد فإن لأحلامنا، في غالبيتها، مكون سلبي. نحلم بتمثل مخاطر نموذجية، تعقب، عراك، هجوم، والتي يمكن أن تتكرر عبر أحلام معادة. الوظيفة التي يتخذها الحلم إذن هي استحضار الخطر والتدرب على التحكم فيه."
لقد استرعت هذه النظرية انتباه مجموعة من الباحثين في علم النفس الكنديين والمتخصصين في الحلم والكوابيس نخص بالذكر منهم أنطونيو زادرا، صوفي دي جاردان وإتين راموت، إذ انكبوا على معالجة الأحلام التي يتوفرون عليها (212 حلما) انطلاقا من مبدأ تمثل الخطر في نظرية روفينسيو، من أجل اختبارها. يرى زادرا، بالفعل، أن عددا من الأحلام المتكررة تتوفر على عدد من العناصر المثيرة للتهديد. ذلك أنه يوجه في الغالب ضد الحالم. غير أنه كلما صادف خطرا إلا واختار وضع دفاع أو هروب. ما يوحي بمصداقية النظرية الفنلندية. غير أن نسبة ضئيلة فقط من الأحلام المتكررة هي التي تصف مواقف واقعية وممكنة. وفوق كل ذلك، فنادرا ما يتمكن الحالم من تلافي المخاطر بأمان بالرغم من جهوده. ويضيف أنطونيو زادرا "كانت وظيفة الحلم لدى القدامى هي الدفع بالدماغ إلى التشبث بالحياة، مادام تهديدها دائما، غير أن الحلم قد تطور على مر الزمن. لقد تقدم قليلا، بلغة فيها الكثير من التصوير والرموز والمجازات. وقد أغنته الاهتمامات الاجتماعية والعاطفية التي لم تكن لإنسان ما قبل التاريخ."
الحلم على كل حال هو نشاط نفساني يزاوله كل فرد على الأقل عشرين دقيقة كل ليلة، ويمكن أن يحدث في كل مراحل النوم. غير أن الحلم يظهر بالأساس في المرحلة المسماة 
paradoxal أو النوم REM ما يعني (rapid eyes movement)، وكان العالم الفرنسي ميشال جوفي في الستينات هو من سماها كذلك. لأنه في تلك المرحلة بالضبط يكون الجسد مشلولا بشكل كلي، وينشط الدماغ بخلافه بشكل مكثف.
 فبعد نظرية فرويد عن الرغبة المتحققة في الحلم، أعلن جوفي هذا، أن الحلم هو حالة قائمة بذاتها من حالات الدماغ، تتموقع بين النوم واليقظة، وهي التي تمكن الدماغ من إعادة برمجة كل السلوكيات الأساسية .
لكن خلال سنة 1973، جاء كل من ألان هوبسون وروبير ماك كارلي وطعنا في مصداقية كل ما أنجز من قبلهما حول وظيفة الحلم. إذ أنه في نظرهما ليس سوى مجرد نتاج تمثل شحنات كهربائية دماغية، تنتج صورا متفرقة بلا معنى ولا وظيفة، لكن الدماغ يعيد رسمها بعد ذلك كي يمنحها معنى.

الأحلام تعيد برمجة وضبط الدماغ

لقد أكد باحثون آخرون، منتصف التسعينات، أن الفأر يعيد في الحلم مراجعة ما تلقاه بالنهار، وذلك بعد تجربة أجراها ماتو ويلسون على فأر. ويرجع الفضل إلى بيير ماكي في تطبيق هذه التجربة على الإنسان سنة 2004، وكانت النتيجة مطابقة. غير أن ماكي هذا قد أكد أن حرمان أي شخص من النوم ، يؤدي إلى تقلص قدرات التذكر لديه. غير أن باحثين آخرين لا يتفقون مع هذه الرؤية، مثل جيروم سيجيل بروفيسور علم النفس في جامعة كاليفورنيا، إذ أكد أن هناك أشخاصا يتناولون أقراصا مضادة للانحطاط النفساني والتي تقلص من مدة نوم
REM غير أنه لاحظ أنهم لا يعانون بتاتا من اضطرابات حقيقية بخصوص الذاكرة. على أن كثيرين يتفقون على ما للحلم من دور في إثراء الذاكرة وتقويتها. وعلى ما للنوم والحلم أيضا من يد في سلامة الدماغ.

نهاية الكوابيس

مثال ذلك أن يطاردك في الشارع رجل مسلح ويعمد إلى إطلاق النار في كل الجهات ثم تستيقظ فجأة. لقد اهتم المختبر الكندي المتعلق بمركز الدراسات حول النوم والوتيرة البيولوجية في مستشفى ساكري كور بموريال، بالكوابيس  ، من أجل فهمها ثم من أجل القضاء عليها. 
في مقال صدر مؤخرا لدى بسيكولوجيكال بيلتان، تمت فيه البرهنة على أن الأحلام السيئة والكوابيس هي وسيلة ينتهجه الدماغ من أجل التخلص من فزع قديم ومتراكم ، في سبيل ضبط تهديدات جديدة محتملة.

فضائل القيلولة

هل هناك من فائدة للراحة خلال النهار؟ وهل بمقدور هذه الحصة النهارية أن تسهم في تقوية القدرات المعرفية لشخص مثلما يحققها النوم الليلي؟ فالكل يدرك، خاصة، أنها تحمي من حالات السِّنة النهارية. بالتأكيد، فالدراسات التي أجريت بهذا الصدد أكدت دور القيلولة في ضبط قوة الذاكرة!
 

عن ايلاف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه

Post Top Ad

الصفحات