إضاءات - للعرب أقوال بليغة ، امتازت ألفاظها بالإيجاز ، ومعانيها بالشمول ، تلك هي الأمثال، التي خلفوها لنا فيما خلفوا من أدب وحكمة .
ومن هذه الأمثال العربية قولهم : « وافق شن طبقة » وهو يضرب فيمن يجمع بينهما توافق وتشابه .
قصة المثل الشهير وافق شن طبقه
لهذا المثل قصة ، ذلك أن رجلا من حكماء العرب و عقلائهم يقال له " شن " عرف بين الناس برجاحة العقل ، وصواب الحكم ؛ فكانوا يستشيرونه في أمورهم ، ويعملون بما يسديه إليهم من النصح والرأي .
وحدث أن أراد " شن " أن تكون له شريكة حياة ، لها من رجاحة العقل ما له ، ومن حسن التفكير ما يتصف هو به ، فأخذ يبحث عن طلبته في موطنه ، فلم يهتد إلى ما يريد ، فعزم على أن يطوف في الأرض حتى يعثر على ضالته.
وفي إحدى سفراته، قابله رجل في الطريق ، فسأله " شن " عن وجهته ، فذكر له البلدة التي يسعى إليها ، فقال شن : وإني لقاصدها ؛ ثم اتفقا على الصحبة ، وسارا معا إلى وجهتهما .
ونظر « شن » إلى صاحبه وقال له : أتحملني أم أحملك ؟ فقال له الرجل : يا لك من جاهل ! كل منا راكب دابته ، فكيف يحمل أحدنا الآخر ؟ فسكت عنه شن . ولم يمض غير قليل حتى لاح لهما زرع حان حصاده ، فقال شن لصاحبه : لست أدري أأكيل هذا الزرع أم لم يؤكل !
فقال له الرجل : عجبا لك ! تری زرعة يوشك أن يحصد فتسأل : أأكيل أم لم يؤكل ؟ فلزم شن الصمت ومضى الرجلان .
ولما دخلا البلدة شاهدا جنازة فقال " شن " لرفيقه : أحى صاحب هذا النعش أم میت ؟ فقال الرجل : لقد ضقت بك ذرعة ، تری جنازة فتسأل أحي صاحبها أم ميت ؟ فسكت عنه شن ، وعزم على أن يفارقه ، غير أن الرجل أبي أن يتركه حتى يستضيفه في بيته ، فمضى شن معه . وكان للرجل ابنة تدعى «طبقة » فسألت أباها عن ضيفه، فحكي لها ما كان من أمره .
فقالت الفتاة لأبيها : ما هذا الرجل بجاهل یا أبي . إن قوله أتحملني أم أحملك يعني أتحدثي أم أحدثك ؟ وقوله أأكيل هذا الزرع أم لم يؤكل ؟ يريد به أباعه أصحابه فأكلوا ثمنه أم لم يبيعوه ؟ وقوله أحي صاحب هذا النعش أم ميت ؟ قصد به : هل ترك هذا الميت ولدا يحيي ذكره أم لم يترك ؟
ثم إن الرجل خرج ليجلس مع ضيفه ، فتحدثا زمنا ، وكان مما قاله الرجل لشن : أتود أن أفسر لك ما سألتني عنه في الطريق ؟ قال : حبذا إن فعلت . فأخذ الرجل يفسر ويجيب . فقال له شن : ما أحسب أن هذا كلامك ، فهلا أخبرتني عن صاحبه ؟ فقال له الرجل : إنها ابنتي «طبقة » ؛ فأعجب «شن » بذكائها ووجد فيها ضالته ، فخطبها إلى أبيها ، فزوجه إياها .
وعاد «شن» إلى أهله، فلما رأوا ما هي عليه من ذكاء وفطنة ، قالوا : وافق ( شن طبقة ) ، فذهب قولهم مثلا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه