ظهرت دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام الذي لم تكتف تعاليمه بتنظيم العلاقة بين الخالق والمخلوق ، وإنما شملت جميع نواحي الحياة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية ، وقد أبقى على الفضائل العربية الحسنة ، ودعمها في حين حارب مظاهر السلوك السيئة الأخرى .
ويتضح ذلك من قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ، مما يدل على أنه كان العرب أخلاق وصفات محمودة ، أبقى الإسلام عليها ، ودعا إلى التمسك بها .
وإذا نظرنا إلى التشريع الإسلامي
فإننا نجده أكثر الأديان السماوية تنظيما لجميع نواحي الحياة ، ولاسيما النواحي
الاجتماعية منها ، فقد شملت تعاليمه تنظيم علاقة الإنسان بربه من جهة ، وعلاقة
الإنسان بأخيه من جهة أخرى .
وليس المجال هنا مجال دراسة التشريعات
الإسلامية، وإنما المقصود أيضا نظرة الإسلام إلى التعاون ، فقد اهتم الإسلام بنشر
الروح التعاونية وتأكيدها بين المسلمين ، فأمر الله سبحانه وتعالى بالتعاون في قال تعالى:ــ )وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا
تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ(
والمقصود بالتعاون هنا ما يحقق جميع
الأعمال المشتركة التي تحقق مصلحة الفرد وخير المجتمع على حد سواء ، وقد جاء
التعبير عنه بصيغة الأمر ، وذلك يعني أن التعاون واجب على المسلمين . وقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد
الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، وتشبيه المؤمنين
بالجسد الواحد يدل على عمق الفهم التعاون في هذا الحديث ، وهو تأكيد بأن الفرد عضو
في المجتمع الإسلامي يحسن أحاسيس الآخرين ، و يتأثر بمشاعرهم ، ويعمل لمصلحتهم إذ
فيها مصلحته .
ويقول الرسول صلة الله عليه وسلم : (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وفي هذا الحديث دليل على تأكيد المشاعر الأخوية بين المسلمين ، إذ أن محبة الخير للآخرين ، والحرص على مصلحتهم مبدأ تعاون أساسي في التشريع والتربية
الإسلامية.
وليس من السهل أن يحقق كل فرد رغباته ومطامعه وأمانيه ، من غير أن تقف
بعض العقبات والصعاب في طريقه .
ولهذا لا بد من أن يتعاون الإنسان مع غيره ، فيلتقى تفكيره مع تفكير غيره ، وتلتقي قوته مع قوة غيره ، فإذا بهذه العقبات والصعاب أمام قوة أكبر ، وفكر أقوى ، وعقل أرجح ، فلا بد لهذه العقبات أن تتبد، ولا بد لهذه الصعاب أن تزول وتختفي ، وعنئذ تتحقق رغباته ومطامعه وآماله .
وقد قيل : ( اليد الواحدة لا تصفق ، أما الجماعات المتعاونة تستطيع أن صفق، وتصفق من غير انقطاع ، ولهذا قيل أيضا المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه ) ، فهم يشدون أزره ، ويحمون ظهره ، فيقوى بهم ، فصدر هذه القوة إنما هو التضامن والتعاون الذي يجمع بين الناس في الرأي والعمل .
ومجتمع الحيوان نفسه أدرك بغرائزه قيمة التعاون في الحياة ، فتعاون النمل في أسرابه ، وتعاونت الفيل في غاباتها ، فحققت لمجتمعها الخير الكثير .
هل رأيت النمل كيف يعيش جماعات متعاونة يتوزع العمل بينها ، ويعيش كل فرد منها لحماية المجموع وسعادته ، ويعمل الجميع لحماية الفرد كما يعمل الفرد الراحة المجموع وحمايته .
إن النمل يسهر على تربية صغاره ،
ويعلن الحرب ، ويعيد الصلح مع الفصائل الأخرى من نوعه ، ويسهر على مصالح الجماعة
وحراستها ، وحين يشعر النمل العامل بخطر ، يحمل على أكتافه المرضى والعجزة والصغار
وبعض ما كان قد ادخره من قوت ، وإذا عجزت نملة عن السير حملتها أخرى ، وإذا
جرحت نملة هبت لمساعدتها نملة أخرى ، وهكذا .
والحيوانات في الغابة أدركت بغريزتها فضل التعاون ، فالفيل عندما تذهب لتشرب يخرج قائدها ، متجها نحو مصدر المياه ، حتى لا يكاد يسمع دبيب أقدامه على الأرض أحد، ثم يقترب من الماء ، وهناك يقف بعض الوقت لتسمع الأصوات ، ثم تقف بعض
الفيلة في مكان خاص للمراقبة والحراسة ، ثم يعود إلى الغابة ويجمع بقية القطيع ،
ليذهب به إلى مورد الماء ، وبعد أن يشرب القطيع يأتي دور الحراس فترد الماء فرادی
، وكلما شرب أحدها عاد إلى مكانه في الحراسة ، وأخيرا ينزل قائدها إلى الماء ،
ليأخذ نصيبه منه ، ثم يلحق بالقطيع ، وإذا حدث ما يدعو القبيلة إلى الفرار ، ويضع
كل صغير من الفيلة بين فيلين كبيرين ، يدفعانه بينهما أثناء الفرار .
وإذا نزل وحل الحيوان في الغابة
واستشعر الخوف ، فلهذا الحيوان أساليبه الخاصة في تبادل الإنذار والتحذير والتنبيه
بقدوم هذا الغريب في الغابة ، وربما كان الغراب أول من يرى هذا الخطر القادم ،
فيصيح منذرا محذرا ، فلا تلبث الطيور والسناجيب أن تحذو حذوه، وتنقل هذا الإنذار
إلى كل مكان ، أما أنثى البط البري فترسل نذيرها بالخطر إلى قومها بإرسال صوت أجش،
ثم تنطلق مسرعة في الفضاء .
هذه صورة تنطق بما للتعاون من آثار و مزايا في مجتمع الحيوان ، وفي حياة الغابة نفسها . فما بالنا إذن بالمزايا والنتائج التي حققها الإنسان نفسه ، صاحب العقل الراجح ، والفكر الناضج ، لو تعاون مع أخيه الإنسان في شتی المجتمعات.
تستطيع الأسرة بالتعاون أن تحقق لأفرادها الراحة والهناءة والطمأنينة والسعادة .وتستطيع دول العالم بالتعاون الصادق في هيئة الأمم أن تقيم العدل ، وتحقق السلام ، فيحل الوفاء محل الشقاق والخصام بين شعوب العالم .
مصدر الصورةpixabay
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه