مدونة ثقافية تعنى بالإبداع والابتكار والتنمية البشرية

اخر الأخبار

Post Top Ad

السبت، 20 مارس 2021

بحث في أهمية التعاون ودوره في النجاح

 

ظهرت دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام الذي لم تكتف تعاليمه بتنظيم العلاقة بين الخالق والمخلوق ، وإنما شملت جميع نواحي الحياة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية ، وقد أبقى على الفضائل العربية الحسنة ، ودعمها في حين حارب مظاهر السلوك السيئة الأخرى .
 
ويتضح ذلك من قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم  إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ، مما يدل على أنه كان العرب أخلاق وصفات محمودة ، أبقى الإسلام عليها ، ودعا إلى التمسك بها .
 
وإذا نظرنا إلى التشريع الإسلامي فإننا نجده أكثر الأديان السماوية تنظيما لجميع نواحي الحياة ، ولاسيما النواحي الاجتماعية منها ، فقد شملت تعاليمه تنظيم علاقة الإنسان بربه من جهة ، وعلاقة الإنسان بأخيه من جهة أخرى .
 
وليس المجال هنا مجال دراسة التشريعات الإسلامية، وإنما المقصود أيضا نظرة الإسلام إلى التعاون ، فقد اهتم الإسلام بنشر الروح التعاونية وتأكيدها بين المسلمين ، فأمر الله سبحانه وتعالى بالتعاون في قال تعالى:ــ )وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ(
 
والمقصود بالتعاون هنا ما يحقق جميع الأعمال المشتركة التي تحقق مصلحة الفرد وخير المجتمع على حد سواء ، وقد جاء التعبير عنه بصيغة الأمر ، وذلك يعني أن التعاون واجب على المسلمين . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، وتشبيه المؤمنين بالجسد الواحد يدل على عمق الفهم التعاون في هذا الحديث ، وهو تأكيد بأن الفرد عضو في المجتمع الإسلامي يحسن أحاسيس الآخرين ، و يتأثر بمشاعرهم ، ويعمل لمصلحتهم إذ فيها مصلحته .
 
ويقول الرسول صلة الله عليه وسلم : (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وفي هذا الحديث دليل على تأكيد المشاعر الأخوية بين المسلمين ، إذ أن محبة الخير للآخرين ، والحرص على مصلحتهم مبدأ تعاون أساسي في التشريع والتربية الإسلامية.
 
وليس من السهل أن يحقق كل فرد رغباته ومطامعه وأمانيه ، من غير أن تقف بعض العقبات والصعاب في طريقه .
 
ولهذا لا بد من أن يتعاون الإنسان مع غيره ، فيلتقى تفكيره مع تفكير غيره ، وتلتقي قوته مع قوة غيره ، فإذا بهذه العقبات والصعاب أمام قوة أكبر ، وفكر أقوى ، وعقل أرجح ، فلا بد لهذه العقبات أن تتبد، ولا بد لهذه الصعاب أن تزول وتختفي ، وعنئذ تتحقق رغباته ومطامعه وآماله .
 
وقد قيل : ( اليد الواحدة لا تصفق ، أما الجماعات المتعاونة تستطيع أن صفق، وتصفق من غير انقطاع ، ولهذا قيل أيضا المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه ) ، فهم يشدون أزره ، ويحمون ظهره ، فيقوى بهم ، فصدر هذه القوة إنما هو التضامن والتعاون الذي يجمع بين الناس في الرأي والعمل .
 
ومجتمع الحيوان نفسه أدرك بغرائزه قيمة التعاون في الحياة ، فتعاون النمل في أسرابه ، وتعاونت الفيل في غاباتها ، فحققت لمجتمعها الخير الكثير .
 
هل رأيت النمل كيف يعيش جماعات متعاونة يتوزع العمل بينها ، ويعيش كل فرد منها لحماية المجموع وسعادته ، ويعمل الجميع لحماية الفرد كما يعمل الفرد الراحة المجموع وحمايته .
 
إن النمل يسهر على تربية صغاره ، ويعلن الحرب ، ويعيد الصلح مع الفصائل الأخرى من نوعه ، ويسهر على مصالح الجماعة وحراستها ، وحين يشعر النمل العامل بخطر ، يحمل على أكتافه المرضى والعجزة والصغار وبعض ما كان قد ادخره من قوت ، وإذا عجزت نملة عن السير حملتها أخرى ، وإذا جرحت نملة هبت لمساعدتها نملة أخرى ، وهكذا .
 
والحيوانات في الغابة أدركت بغريزتها فضل التعاون ، فالفيل عندما تذهب لتشرب يخرج قائدها ، متجها نحو مصدر المياه ، حتى لا يكاد يسمع دبيب أقدامه على الأرض أحد، ثم يقترب من الماء ، وهناك يقف بعض الوقت لتسمع الأصوات ، ثم تقف بعض الفيلة في مكان خاص للمراقبة والحراسة ، ثم يعود إلى الغابة ويجمع بقية القطيع ، ليذهب به إلى مورد الماء ، وبعد أن يشرب القطيع يأتي دور الحراس فترد الماء فرادی ، وكلما شرب أحدها عاد إلى مكانه في الحراسة ، وأخيرا ينزل قائدها إلى الماء ، ليأخذ نصيبه منه ، ثم يلحق بالقطيع ، وإذا حدث ما يدعو القبيلة إلى الفرار ، ويضع كل صغير من الفيلة بين فيلين كبيرين ، يدفعانه بينهما أثناء الفرار .
 
 وإذا نزل وحل الحيوان في الغابة واستشعر الخوف ، فلهذا الحيوان أساليبه الخاصة في تبادل الإنذار والتحذير والتنبيه بقدوم هذا الغريب في الغابة ، وربما كان الغراب أول من يرى هذا الخطر القادم ، فيصيح منذرا محذرا ، فلا تلبث الطيور والسناجيب أن تحذو حذوه، وتنقل هذا الإنذار إلى كل مكان ، أما أنثى البط البري فترسل نذيرها بالخطر إلى قومها بإرسال صوت أجش، ثم تنطلق مسرعة في الفضاء .
 
هذه صورة تنطق بما للتعاون من آثار و مزايا في مجتمع الحيوان ، وفي حياة الغابة نفسها . فما بالنا إذن بالمزايا والنتائج التي حققها الإنسان نفسه ، صاحب العقل الراجح ، والفكر الناضج ، لو تعاون مع أخيه الإنسان في شتی المجتمعات.
 
تستطيع الأسرة بالتعاون أن تحقق لأفرادها الراحة والهناءة والطمأنينة والسعادة .وتستطيع دول العالم بالتعاون الصادق في هيئة الأمم أن تقيم العدل ، وتحقق السلام ، فيحل الوفاء محل الشقاق والخصام بين شعوب العالم .
 
مصدر الصورةpixabay

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه

Post Top Ad

الصفحات