مدونة ثقافية تعنى بالإبداع والابتكار والتنمية البشرية

اخر الأخبار

Post Top Ad

الاثنين، 26 مايو 2025

لماذا نحتفظ بالعلب الفارغة والحقائب القديمة؟ فهم لسلوك التكديس في حياتنا

 


ظاهرة مألوفة لكن غير مفسَّرة

 

كم مرة فتحت خزانة أو درجًا في منزلك لتجد علبة فارغة لمنتج انتهى منذ سنوات، أو حقيبة قديمة لم تستخدمها منذ زمن طويل، او حذاء أو قطعة ملابس قديمة؟

 

وعلى الرغم من أنك تعلم أنك لن تحتاجها على الأرجح، فإنك لا تستطيع ببساطة رميها.

 

هذا السلوك الشائع – الاحتفاظ بأشياء بلا استخدام واضح – ليس مجرد عادة سيئة، بل هو ظاهرة نفسية تستحق التفسير.

 

بين التراكم العاطفي والحاجة الوهمية

 

الاحتفاظ بالأغراض القديمة، حتى وإن كانت بلا فائدة مباشرة، لا يعني دائمًا التعلق بالأشياء بقدر ما يعكس نوعًا من الارتباط العاطفي أو حتى وهم الاستفادة المستقبلية.

 

نعتقد غالبًا أن تلك العلبة أو الحقيبة "قد تنفعنا لاحقًا"، دون أن نحدد متى أو كيف.

 

هذه الفكرة تسمى في علم النفس بـ "الوهم الاستثماري" (Sunk Cost Fallacy)، حيث نعتقد أن ما دُفع فيه جهد أو مال سابقًا يجب أن يستمر في امتلاك قيمة، حتى لو لم يعد له فائدة عملية.

 

الجذور النفسية لسلوك التكديس

 

هناك عدة تفسيرات نفسية لهذه الظاهرة:

 

الحنين إلى الماضي (Nostalgia):

قد تحمل بعض الأغراض رمزية خاصة أو ذكريات جميلة. حقيبة رافقتنا في رحلة مميزة، أو علبة احتوت على منتج استخدمناه في مناسبة مهمة، تصبح "مرتبطة عاطفيًا" بالذكرى نفسها.

 

الخوف من الندم (Fear of Regret):

نخاف من التخلص من شيء قد نحتاجه لاحقًا. هذا الخوف غير العقلاني يجعلنا نحتفظ بأشياء لا نستخدمها منذ سنوات.

 

الإحساس بالأمان (Sense of Security):

تكديس الأغراض يمكن أن يعطي إحساسًا بالتحكم والسيطرة. وجود "مخزون احتياطي" يمنح نوعًا من الطمأنينة، وكأننا مستعدون لأي طارئ.

 

تقدير الذات وربطها بالممتلكات:

بعض الأشخاص يربطون هويتهم أو مكانتهم الاجتماعية بما يملكونه. كل غرض يصبح جزءًا من صورة الذات، والتخلي عنه يعني - نفسيًا - التخلي عن جزء من أنفسهم.

 

الفرق بين التوفير والتكديس

 

من المهم التمييز بين سلوك اقتصادي معقول (مثل الاحتفاظ بأكياس قابلة لإعادة الاستخدام) وبين سلوك تكديسي غير صحي. عندما تتحول العلب والحقائب إلى أكوام تستهلك المساحة دون استخدام واقعي، تبدأ المشكلة.

 

علم النفس يُطلق على السلوك المرضي المرتبط بالتراكم اسم اضطراب الاكتناز (Hoarding Disorder)، ويعد من فروع اضطرابات الوسواس القهري (OCD). هذا الاضطراب قد يؤدي إلى تراكم لا يمكن التحكم فيه ويؤثر على جودة الحياة.

 

العوامل الثقافية والتربوية

 

تلعب البيئة الثقافية والتربوية دورًا مهمًا. في بعض المجتمعات، يُنظر إلى التخلص من الأغراض كنوع من التبذير، وتُشجَّع فكرة "ربما نحتاجها يومًا ما".

 

كما أن جيلًا نشأ في بيئة نقص أو فقر قد يكون أكثر ميلاً للاحتفاظ بكل شيء تحسّبًا لأي طارئ.

 

حلول عملية للتخلص من التكديس

 

اسأل نفسك: متى استخدمت هذا الغرض آخر مرة؟
إذا مرت أكثر من سنة، فربما حان وقت التخلص منه.

اعتمد قاعدة “واحد داخل – واحد خارج”:
عند شراء غرض جديد، تخلَّص من آخر قديم لتفادي التراكم.

 

افصل الذكرى عن الغرض:


يمكنك الاحتفاظ بصورة للغرض كذكرى، دون الحاجة لتخزينه فعليًا.

 

تبرّع بالأغراض:


فكرة أن شيئًا لا تحتاجه قد يفيد شخصًا آخر تسهّل عملية التخلي.

 

عندما تصبح العلبة أكثر من مجرد علبة

 

في النهاية، العلبة الفارغة أو الحقيبة القديمة قد لا تكون مجرد غرض مادي، بل رمز لشيء أعمق. لكنها أيضًا قد تكون عبئًا نفسيًا وفعليًا.

 

فهم دوافعنا الداخلية للاحتفاظ بالأشياء هو الخطوة الأولى للتعامل معها بوعي.

 

والسؤال الحقيقي ليس لماذا نحتفظ بها؟، بل:

هل ما نحتفظ به يعكس ذاكرتنا… أم يعطل حاضرنا؟

 

أمجد قاسم

X@amjad

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه

Post Top Ad

الصفحات