مدونة ثقافية تعنى بالإبداع والابتكار والتنمية البشرية

اخر الأخبار

Post Top Ad

السبت، 24 مايو 2025

المبالغة في توقع الأسوأ.. لماذا نعيش سيناريوهات الكارثة في أذهاننا؟

 


في لحظات القلق أو الترقب، قد نجد أنفسنا نتخيل أسوأ ما يمكن أن يحدث، حتى لو كانت الاحتمالات ضئيلة.

 

نتلقى رسالة من مديرنا دون شرح فنعتقد أنه سيفصلنا من العمل، أو نشعر بوخز بسيط في الصدر فنظن أننا نحتضر.

 

هذه الظاهرة تُعرف في علم النفس باسم “Catastrophizing” أو “المبالغة في توقع الأسوأ”، وهي نمط تفكير شائع يمكن أن يُعيق الراحة النفسية ويزيد من حدة التوتر والقلق.

 

ما هو Catastrophizing؟

 

"Catastrophizing"  " المبالغة في توقع الأسوأ " هو مصطلح في علم النفس المعرفي يشير إلى الميل المبالغ فيه لتوقع أسوأ النتائج الممكنة، حتى لو كانت غير منطقية أو غير محتملة.

 

الأشخاص الذين يعانون من هذا النمط من التفكير يفترضون أن كارثة كبيرة على وشك الحدوث بمجرد مواجهة أي موقف ضاغط أو بسيط.

 

ويُعتبر هذا النمط نوعًا من التحريفات المعرفية (Cognitive Distortions) التي تشوه طريقة تفكير الفرد وتُضخّم المخاوف دون مبرر واقعي.

 

أمثلة شائعة على المبالغة في توقع الأسوأ

 

تأخير بسيط من أحد أفراد العائلة يؤدي إلى افتراض أنه تعرّض لحادث.

فشل بسيط في مهمة يومية يُفسَّر بأنه دليل على الفشل في الحياة كلها.

الشعور بصداع بسيط يؤدي إلى القلق من وجود ورم في الدماغ.

 

الأسباب النفسية والجذرية

 

القلق واضطرابات القلق العام (GAD)
الأفراد الذين يعانون من اضطرابات القلق غالبًا ما يميلون إلى التفكير الكارثي، كآلية دفاعية بدافع الاستعداد للأسوأ.

الخبرات الصادمة أو الطفولة المضطربة
التجارب السابقة التي تضمنت مفاجآت سيئة أو خيبات أمل مفاجئة قد تعلّم الدماغ توقّع السوء دائمًا.

البرمجة الثقافية أو العائلية
قد ينشأ بعض الأفراد في بيئات تركز على الحذر الزائد أو تتحدث دائمًا عن المصائب المحتملة، مما يُنمي لديهم هذا النمط من التفكير.

الاكتئاب واضطرابات المزاج
يرتبط Catastrophizing أيضًا بالاكتئاب، حيث يؤدي إلى تشويه تقييم الأحداث والنظر إليها بسوداوية.

 

كيف يؤثر التفكير الكارثي على الصحة النفسية؟

يزيد من التوتر والقلق: التخيل المستمر للسيناريوهات السلبية يُبقي الجسد في حالة تأهب مستمر.

يُضعف مهارات المواجهة: عندما يعتقد الشخص أن الكارثة لا مفر منها، تقل قدرته على اتخاذ قرارات عقلانية أو هادئة.

 

يؤثر على العلاقات: قد يؤدي إلى سوء التفاهم أو خلق توتر بسبب ردود الفعل المبالغ فيها.

يعزز الشعور بالعجز: التفكير بأن الأسوأ سيقع، مهما فعلنا، يُقوّض الشعور بالتحكم في الحياة.

 

آليات دفاعية أم فخ عقلي؟

يرى بعض علماء النفس أن " المبالغة في توقع الأسوأ"  قد يكون في بعض الأحيان آلية دفاع بدائية. فعند تخيل الأسوأ، نحاول عقليًا الاستعداد له وتجنب المفاجأة. لكن المشكلة تظهر عندما يصبح هذا النمط متكرّرًا ومفرطًا ويعوقنا عن الاستمتاع بالحياة أو التصرف بعقلانية.

 

كيف نتعامل مع التفكير الكارثي؟

 

1- الوعي بالمشكلة

الخطوة الأولى هي إدراك أنك تقع في فخ التفكير الكارثي. هل تستبق الأحداث؟ هل تتوقع دائمًا الأسوأ؟ هذا الاعتراف بداية التغيير.

 

2- طرح أسئلة منطقية

ما الدليل على أن هذا السيناريو السيء سيحدث؟

هل هناك احتمال معقول لحدوث نتيجة إيجابية؟

ما هو أسوأ ما يمكن أن يحدث، وهل يمكنني التعامل معه فعلًا؟

 

3- تقنيات العلاج المعرفي السلوكي (CBT)

يستخدم المعالجون النفسيون تقنيات لتصحيح الأفكار المشوهة، من خلال تدريب الفرد على التفكير العقلاني وإعادة بناء التفسيرات بشكل إيجابي.

 

4- ممارسة التأمل واليقظة (Mindfulness)

تساعد تمارين التأمل والتنفس على تهدئة العقل وتقليل التفكير الزائد في المستقبل.

 

5- الكتابة والتفريغ الذهني

يمكن أن يساعد تدوين الأفكار الكارثية على ورق في رؤيتها من منظور آخر وتفكيكها منطقيًا.

 

متى يجب أن نطلب المساعدة؟

 

إذا لاحظت أن التفكير الكارثي يؤثر على نومك، علاقاتك، قدرتك على التركيز أو اتخاذ القرارات، فربما يكون من المفيد زيارة أخصائي نفسي. التدخل المبكر قد يمنع تطوّر القلق أو الاكتئاب.

 

إن "المبالغة في توقع الأسوأ" هو فخ عقلي نقع فيه جميعًا من وقت لآخر، لكن عندما يصبح عادة يومية، فإنه يسلبنا هدوءنا ويشوّه رؤيتنا للعالم.

 

فهم هذا النمط من التفكير والتعامل معه بوعي يُعيد لنا الشعور بالأمان والتحكم.

 

في النهاية، الحياة لا تُقاس بما نخافه منها، بل بكيفية مواجهتنا لتحدياتها، بحكمة وطمأنينة .

 

أمجد قاسم

X@amjad

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه

Post Top Ad

الصفحات