مدونة ثقافية تعنى بالإبداع والابتكار والتنمية البشرية

اخر الأخبار

Post Top Ad

السبت، 14 يونيو 2025

قصة الفئران والتاجر الغريب: دروس في الطمع والربح السهل

 


في أحد الأيام، دخل تاجر غريب الملامح إلى قرية بسيطة تعاني من كارثة بيئية حقيقية؛ فقد غزت الفئران شوارعها ومنازلها، وأصبح السكان عاجزين تمامًا عن السيطرة على الوضع. لم تعد وسائل المكافحة التقليدية تنفع، وبات الخطر يهدد الصحة العامة وأمن الأهالي .

 

وقف التاجر وسط سوق القرية، وجذب انتباه الجميع حين أعلن بصوت مرتفع:


"
سأدفع مئة دولار مقابل كل فأر يُسلم لي حيًّا."

ساد الصمت للحظة، وبدت علامات الدهشة على وجوه السكان. بعضهم ظنه مجنونًا، وآخرون حسبوه ساخرًا. غير أن أحد الرجال قرر التجربة، فأحضر فأرًا بالفعل، وتسلم من التاجر مئة دولار نقدًا.

كانت تلك الشرارة كافية لتشعل الحماس بين الناس، فتحولت القرية إلى ساحة صيد محمومة. الكبار والصغار، النساء والرجال، وحتى كبار السن، انطلقوا في مهمة اصطياد الفئران.

أصبحت الأزقة مصائد، والسقوف نقاط مراقبة، والجحور أهدافًا استراتيجية.

بعد أيام، عاد التاجر من جديد وصرّح:
"
الآن، سأدفع مئتي دولار مقابل كل فأر."

تضاعف الجنون. ارتفعت وتيرة المطاردة. حفرت الأرض، وقُلبت البيوت، وتفرغ الجميع للبحث عن الفئران. ولم تمضِ فترة طويلة حتى عاد التاجر بإعلان أكثر إثارة:


"
سأدفع خمسمئة دولار للفأر الواحد."

بلغ الهوس ذروته. بات الناس يحلمون بالفئران ليلًا ويطاردونها نهارًا. وبفضل الجهود الجماعية والاهتمام غير المسبوق، اختفت الفئران تمامًا من القرية.

عندها، أعلن التاجر أنه سيغيب أسبوعًا، وحين يعود سيشتري الفأر الواحد بألف دولار. ثم غادر، تاركًا مساعده في القرية. ومع اختفاء الفئران، خيم اليأس على الناس الذين باتوا يتمنون عودة هذه الكائنات المزعجة، لا كرهاً لها بل طمعًا في المال.

في هذه اللحظة، بدأ المساعد يهمس للبعض:
"
لديّ عدد محدود من الفئران. يمكنني أن أبيع الفأر بسبعمئة دولار فقط. اشترِ الآن، وعندما يعود التاجر، ستحقق ربحًا مؤكدًا."

تسارع الناس إلى الشراء. باعوا ممتلكاتهم، رهنوا بيوتهم، واقترضوا من بعضهم البعض، كل ذلك بدافع الطمع في أرباح مضمونة. غير أن المساعد اختفى لاحقًا... ولم يعد التاجر أبدًا.

 

التحليل النفسي والاجتماعي للقصة

 

هذه القصة تُعَدّ مثالًا رمزيًا ممتازًا على عدد من الظواهر النفسية والسلوكية التي نغفل عنها في حياتنا اليومية، منها:

1- سلوك القطيع (Herd Behavior):

حين رأى الناس فردًا واحدًا يربح من بيع الفئران، ساروا جميعًا خلفه دون تفكير عقلاني أو تحليل منطقي، في مشهد يعكس انجرار الجماعة خلف سلوك فردي دون تحقق من عواقبه.

2- الطمع وانعدام البصيرة:

كلما ارتفع السعر، ارتفعت شهية الناس للمزيد. لم يسأل أحدهم: من هذا التاجر؟ ما الغرض الحقيقي من هذه العملية؟ كيف ستنتهي؟ لقد أسكرهم الطمع عن أي منطق.

3- وهم الربح السريع (Get-Rich-Quick Mentality):

حين وُعدوا بألف دولار، أصبح كل شيء قابلاً للتضحية من أجله. ويُعَد هذا سلوكًا نفسيًا خطيرًا، إذ يميل الإنسان إلى المبالغة في تقدير العوائد وتجاهل المخاطر حين يتعلق الأمر بالربح السريع.

4- غياب التفكير النقدي:

لم يتحلَّ أحد بالشك أو التحليل أو حتى التساؤل عن نية التاجر، بل انشغل الجميع بمطاردة الوهم، وهو ما يتكرر في الكثير من حالات النصب والاحتيال.

العبرة

 

القصة تسلط الضوء على كيفية تحول الإنسان إلى فريسة سهلة لوهم الكسب السريع، عندما يعطل تفكيره النقدي، ويستسلم لغريزة الطمع، ويتأثر بسلوك الآخرين.


في عالم الاقتصاد، يشبّه هذا السلوك بفقاعات السوق (Market Bubbles) التي تنفجر دائمًا عندما يدرك الجميع متأخرًا أنهم اشتروا وهمًا.

الرسالة الأساسية:


ليست كل فرصة تبدو مغرية حقيقية؛ ففي كثير من الأحيان، ما نعتقد أنه مكسب، هو فخ أُعدّ بإتقان لاصطياد من لا يُفكر.

أمجد قاسم

X@amjad

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه

Post Top Ad

الصفحات