في مارس عام 1937، عاشت الولايات المتحدة واحدة من أبشع كوارثها الحديثة، عندما دوّى انفجار هائل في مدرسة نيو لندن – ولاية تكساس. خلال لحظات قليلة فقط، قُتل ما يقارب 300 طالب ومعلم، وامتلأت السماء بالحطام والدخان.
السبب؟ تسريب غاز طبيعي لم يلحظه أحد، لأن الغاز في صورته الخام عديم اللون والرائحة. لم يكن هناك أي إنذار مبكر يحذّر من الخطر.
هذه الكارثة المروّعة دفعت العلماء والمهندسين للبحث عن وسيلة تُمكّن أي شخص عادي من اكتشاف التسرب فورًا. وكانت الفكرة العبقرية: إضافة مادة كيميائية ذات رائحة قوية جدًا إلى الغاز الطبيعي.
ما هي المادة التي تنقذنا كل يوم؟
المادة
التي تم استخدامها تُسمّى علميًا المركبتانات (Mercaptans أو
Thiols)،
وهي مركبات كبريتية تتميز برائحة تشبه البيض الفاسد.
الميزة الأهم أن
هذه الرائحة يمكن للإنسان أن يشمّها حتى عند وجودها بتركيزات ضئيلة للغاية، ما
يجعلها مؤشر إنذار طبيعي وفعّال عند حدوث أي تسريب.
ابتكار بسيط.. بحياة لا تُقدَّر بثمن
مهندسان من شركة Perless Manufacturing، هما دونالد سيلرز (Donald Sellers) وألكسندر كلارك (Alexander Clarke)، ابتكرا جهازًا بسيطًا يحقن هذه المركبات في شبكة الغاز الطبيعي بكميات دقيقة. ومنذ ذلك الوقت تغيّرت معايير السلامة حول العالم:
- كل بيت وكل مبنى أصبح أكثر أمانًا.
- ملايين الأرواح أُنقذت من انفجارات محتملة.
- رسالة إنسانية واضحة: أن حماية الحياة أهم من أي مكسب مادي أو شهرة.
الأثر المستمر حتى اليوم
منذ عام 1937 وحتى اليوم، تُضاف مركبات مثل إيثيل مركبتان (Ethyl Mercaptan) وتيرشيري-بوتيل مركبتان (Tertiary-Butyl Mercaptan) إلى الغاز الطبيعي والغاز النفطي المسال (LPG) في جميع أنحاء العالم. هذا الإجراء أصبح معيارًا عالميًا للسلامة، لا يمكن الاستغناء عنه.
أكثر من مجرد رائحة
قصة هذه المادة ليست مجرد حكاية عن الكيمياء، بل هي شهادة على أن الاختراعات العظيمة قد تكون بسيطة جدًا. أحيانًا يكفي مجرد "رائحة" لكي تفصل بين الحياة والموت.
لماذا المركبتانات
لماذا تم اختيار المركبتانات (Mercaptans) بالذات لإضافتها إلى الغاز الطبيعي؟
- لأنها شديدة النفاذية ويستطيع الإنسان تمييزها حتى بتركيزات منخفضة جدًا.
- لا تؤثر على خصائص الغاز أو كفاءته عند الاحتراق.
- آمنة نسبيًا عند الكميات الصغيرة المستخدمة.
- سهلة الحقن والانتشار في شبكة الغاز.
لهذا السبب أصبحت الرائحة الكريهة للغاز بمثابة خط الدفاع الأول ضد الكوارث.
عندما نشم رائحة الغاز المميزة، قد ننزعج قليلًا، لكن خلف هذه الرائحة تاريخ من التضحية والابتكار، ودرس خالد: أنقذت البشرية نفسها بفضل اختراع صغير، لم يطلب أصحابه إلا أن يعيش الآخرون بأمان
✍️بقلم: أمجد قاسم
مدونة إضاءات | للتنمية الذاتية والمعرفة
اقرأ أيضا:
اختراع السيارة: قصة نجاح غيرت العالم
قصة اختراع الوجوه الصفراء المبتسمة
قصة اختراع فتاحة العلب المرفقة بالمنتج
قصة اختراع .... البريد الإلكتروني
قصة اختراع .... الخلايا الشمسية
ما هي قصة اختراع ضمادات الجروح اللاصقة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه