إضاءات - اعترف العلماء والفلاسفة والمؤرخون في العالم كله ، بفضل العرب على
الحضارة الأوروبية الحديثة ، وأجمعوا على أنه لولا وجود العرب لتأخرت هذه الحضارة
عدة قرون ، وأجمعوا أيضا على أن أوروبا مدينة بالشيء الكثير للعرب ، إذ حملوا
مصباح العلم مشرقة منيرة ، في زمن كان فيه العلم في بلدان أوروبا ضعيفا هزيلا ،
واعترف جوستاف لوبون وهو مستشرق ومفكر
فرنسي الف كتاب حضارة العرب بهذه الحقيقة في وضوح أكثر فقال :
كانت كتب العرب المرجع الوحيد لعلوم
الطبيعة والكيمياء و الفلك في أوروبا مدة تزيد على خمسة قرون ، أما كتب الطب ذاتها
فقد ظلت المرجع الأساسي والرئيسي ثمانية قرون حتى لقد استمرت جامعة مونبليه تستشهد
بآراء ابن سينا إلى أواخر القرن الماضي .
وقد خصصت جامعة بريستون الأمريكية
أكبر جناح في أجمل بناء، لعرض مآثر الطبيب العربي و أبي بكر الرازی الذي يعد أول
واضع لعلم الطب التجريبي ، إذ كان يجري تجاربه على الحيوانات ليختبر تأثير الأدوية
فيها ، ثم يسجل جميع ملاحظاته عليها .
وأبو بكر الرازي هو أيضا أول من وضع
طريقة العلاج بالمشاهدة التي جرى اليوم ... كان يدع مريضه يذكر قصته ثم يسأله عن
أحواله مفصلة ، ثم يسأله عن إصاباته السابقة بالمرض ، ثم يدون كل ذلك في سجل خاص ،
فكان الرازی أول من عرف مرض الحصبة والجدرى . وأول من فكر في العلاج النفسي .
أما الفيلسوف والطبيب ابن سينا . فقد
أبدع في وصف الأعضاء ودراسة أمراضها وآفاتها .
ويعترف الفيلسوف الألماني الكبير
هومبولد أن العرب هم واضعو علم الطبيعة بعد أن عرفوا كثيرا من النباتات الطبية .
ولا يزال كثير منها مستعملا حتى اليوم . وينطقه الغربيون الآن بالنطق العربي مع
بعض تحريف بسيط فيه .. تذكر منها على سبيل المثال المن والتمر والمسك والقطن .
ولم تكن الجراحة عند العرب في القرون
الوسطى متخلفة . إذ كانت تستخدم في العلاج كما تفعل اليوم .
وقد كتب أبو القاسم ، طبيب البلاط
الملكي في قرطبة أيام أن كانت في يد العرب ، كتبا في الجراحة والتوليد .
وصفها العالم الأوروبي بأنها كانت النبع
المشترك الذي أخذ منه جميع الجراحين الذين ظهروا بعد القرن الرابع عشر .
أما المستشفيات فانتشرت في العالم
الإسلامي ، من فارس إلى مراكش ، ومن شمال سورية إلى مصر .
وكان أول مستشفى قام على أساس علمي هو
هذا الذي أسه ابن طولون بالقاهرة في القرن التاسع الميلادي وبقى حتى القرن الخامس
عشر، وقد عرفت عند العرب المستشفيات المتنقلة .
وخلال القرن الحادي عشر ، تعطينا
الكتب التاريخية الإسلامية معلومات كثيرة فيما يتعلق بالعمل في هذه المستشفيات حيث
كان كبار الأطباء العرب في هذه المستشفيات ، يلقون محاضرات ودروسا على الطلبة
الذين جاءوا لتعلم الطب ، مع إجراء امتحانات ، ومنح إجازات علمية .
وفي القاهرة بنی السلطان قلاوون سنة 1285 م مستشفى المنصور ، وهو أضخم مستشفى
في القرون الوسطى ، كان به وقتئذ أقسام منفصلة للأمراض المختلفة ، وأخرى للناقهين
، و به معامل وعيادات خارجية ، وفيه حمامات ومكتبة وجامع ، وأقيمت فيه مطابخ
لتقديم الغذاء للمرضى بلا أجر .
وكان يعطى لكل من تماثل للشفاء ويحتاج
للرعاية عند خروجه من المستشفى بعض المال ، حتى لا يضطر إلى العمل في فترة نقاهته
... أما المصابون بالأرق فكان يرفه عنهم بالموسيقى الخفيفة ، أو برواۃ القصص
المحترفين . وكان عند العرب مستشفيات خاصة للمجانين ، كما كان عندهم عيادات خيرية
. يستطيع الفقراء زيارتها للفحص والعلاج مجانا ، في أيام محددة من كل أسبوع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه