في عالم الطيران، حيث تُقاس الكفاءة بالمليمتر، وتُختبر العزيمة في كل ثانية تحليق، وُلدت قصة تُشبه الأساطير، لكنها حقيقية بكل تفاصيلها. قصة امرأة وُلدت بلا ذراعين، لكنها لم ترَ في ذلك عائقًا، بل جناحين من إرادة .
البداية: مولد مختلف… لكنه ليس ناقصًا
وُلدت جيسيكا كوكس عام 1983 في ولاية أريزونا الأمريكية، بعيب خلقي نادر أدى إلى غياب ذراعيها.
وبينما قد يرى البعض في ذلك بداية لحياة من التحديات والمحدودية، رأت جيسيكا في نفسها طاقة كامنة قادرة على التكيف والتفوق.
منذ طفولتها، بدأت باستخدام قدميها بدلًا من يديها: كانت تأكل، تكتب، تسرّح شعرها، ترتدي ملابسها، بل وتقود السيارة لاحقًا، بكل رشاقة وثقة. وتقول في أحد لقاءاتها:
"لم
أنظر يومًا إلى نفسي كفتاة مختلفة. كنت ببساطة أعيش الحياة بطريقتي."
من الأرض إلى السماء: حلم لا يعترف بالحدود
رغم نجاحها في أنشطة الحياة اليومية، لم تكتفِ جيسيكا بالأرض، بل نظرت إلى السماء كهدف. دخلت مجال الطيران، وهو مجال يعتمد بشكل شبه كلي على التناسق بين اليد والعين، متحدية كل المفاهيم التقليدية حول من يمكنه قيادة طائرة.
بدأت تدريبها على طائرة من طراز Ercoupe، وهي طائرة خفيفة لا تعتمد على الدواسات التقليدية، مما جعلها مناسبة لتجربة قيادة مختلفة. على مدار ثلاث سنوات من التدريب المكثف، تعلّمت جيسيكا كيف تتحكم بكامل الطائرة باستخدام قدميها فقط، وبكفاءة مذهلة.
وفي عام 2008، حصلت رسميًا على رخصة طيار رياضي، لتصبح أول شخص في العالم يقود طائرة باستخدام القدمين فقط.
أنا لا أملك ذراعين… لكنني أملك الإرادة
لم تكن جيسيكا تسعى فقط للطيران، بل أرادت إيصال رسالة إنسانية للعالم: أن الإرادة الحقيقية لا تعترف بالقيود الجسدية. وقد نجحت. طيرانها لم يكن مجرد إنجاز ميكانيكي، بل صرخة في وجه مفاهيم العجز والتقليل من الذات.
أقلعت جيسيكا بطائرتها لوحدها، وهبطت بأمان، مؤكدة أن المستحيل مجرد كلمة في القاموس، وليس في الحياة.
من طيارة إلى متحدثة ملهمة
لم تتوقف إنجازات جيسيكا عند الطيران. فهي حاصلة على الحزام الأسود في التايكوندو، وخريجة جامعية في تخصص علم النفس. واليوم، تُسافر حول العالم كمتحدثة تحفيزية، وتشارك قصتها في المؤتمرات والمدارس والجامعات، مُلهمةً آلاف الأشخاص للتغلب على مخاوفهم وحدودهم.
أصدرت كذلك كتابًا بعنوان "Disarm Your Limits" (أي: فكّ قيودك)، تسرد فيه رحلتها الشخصية وتمنح القارئ دفعة قوية نحو الإيجابية.
درس من السماء: لا تدع ما لا تملكه يمنعك مما تريد
قصة جيسيكا كوكس ليست عن الإعاقة، بل عن الاختيار. اختيار أن تكون أقوى من التحديات، وأعلى من القيود. إنها تذكير لنا جميعًا بأن ما ينقصنا ليس دائمًا هو العائق، بل أحيانًا ما نعتقد أنه ينقصنا.
تقول جيسيكا:
"لا تدع ما لا تملكه، يمنعك من أن تكون ما تريد."
خلاصة
في زمن تتكاثر فيه الأعذار، وتُفرَض فيه الصور النمطية، تحلّق جيسيكا كوكس، لتعلّمنا أن الإرادة لا تحتاج إلى ذراعين، بل إلى إيمان بالذات. قصتها ليست فقط رحلة طيران… بل رحلة إلهام نحو أقصى حدود الإنسان.
أمجد قاسم
X@amjad
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه