مدونة إضاءات

إضاءات مدونة ثقافية تعنى بالإبداع والابتكار والتنمية البشرية

اخر الأخبار

Post Top Ad

الأربعاء، 6 أغسطس 2025

يونيس فوت .. المرأة التي تنبأت بالاحتباس الحراري قبل أن يسمع به العالم

 


في ركن مهمل من تاريخ العلم، تقف يونيس فوت Eunice Foote، امرأة سبقت عصرها بفكرها واكتشافها، لكنها دفعت ثمناً باهظاً لكونها امرأة في زمن لم يكن يعترف بإنجازات النساء. 

 

ما اكتشفته في خمسينيات القرن التاسع عشر بشأن تأثير ثاني أكسيد الكربون على حرارة الأرض كان كفيلاً بأن يُحدث ثورة مبكرة في فهم التغير المناخي، إلا أن التحيزات المجتمعية طمست اسمها، لتتحول إلى "ظل" في صفحات العلم لقرنٍ من الزمان.

 

في عام 1856، أجرت يونيس فوت، التي لم تكن عالمة محترفة بل عالمة هاوية بشغف استثنائي، تجارب بسيطة لكنها عظيمة الأثر. وضعت غازات مختلفة داخل أنابيب زجاجية وعرّضتها للشمس، ولاحظت أن ثاني أكسيد الكربون احتفظ بالحرارة أكثر من باقي الغازات، متوصلةً إلى استنتاج مذهل: ارتفاع تركيز هذا الغاز يمكن أن يؤدي إلى تسخين الأرض.

 

بهذه البساطة، وضعت أساس ما نعرفه اليوم باسم الاحتباس الحراري.

 

لكن بدلًا من أن تنال الاعتراف الذي تستحقه، جرى تهميشها. عندما عرضت نتائجها في اجتماع الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم، لم يكن لها الحق حتى في الحديث باسمها، فقام زميل لها بتقديم العمل، وغابت هي عن منصة التقديم ودفاتر التوثيق الرسمي.

 

بل الأسوأ من ذلك، أن نتائجها سبقت نتائج الفيزيائي الشهير جون تيندال John Tyndall بثلاث سنوات، ومع ذلك لم يأتِ الأخير على ذكرها في أبحاثه اللاحقة، وكأنها لم تكن.

 

لا لأن تجاربه كانت أدق، بل ببساطة لأن النظام العلمي وقتها لم يكن يرى في النساء علماء يمكن أن يُؤخذ كلامهم على محمل الجد.

 

من التهميش إلى الاعتراف المتأخر

 

لم تكن يونيس فوت وحدها في هذه المعادلة الظالمة. لطالما عانت النساء من التهميش في ميادين العلم والفكر والسياسة. لكن قصتها تعكس نموذجًا صريحًا للتمييز القائم على النوع الاجتماعي، وتُبرز كيف يمكن للتحيزات أن تعيق تقدم البشرية كلها.

 

وبالرغم من أن مجلة Scientific American أشادت بقدراتها آنذاك، إلا أن تلك الإشادة لم تترجم إلى اعتراف علمي فعلي. وظلت مساهماتها في طي النسيان حتى بدأت أبحاث حديثة تُعيد تسليط الضوء على إنجازاتها، وتصحح هذا الظلم التاريخي.

 

دروس في التنمية الذاتية من قصة فوت

 

قصة يونيس فوت ليست فقط عن التغير المناخي، بل أيضًا عن الاصرار، والشغف، والتحدي الذاتي. إنها قصة تُلهمنا اليوم، نحن الساعين لتطوير أنفسنا في عالم لا يخلو من العقبات والتحديات.

 

1.     لا تنتظر الاعتراف لتبدأ
كانت فوت هاوية. لم تكن تمتلك منصبًا رسميًا، ولا شهادات أكاديمية عليا في زمنٍ لم تُفتح فيه أبواب العلم للنساء بعد. لكنها بدأت من حيث كانت، بما تملك. هذه الروح الريادية أساس في أي تنمية ذاتية. لا تنتظر الظروف المثالية، بل استثمر فيما لديك.

2.     ثق بقدرتك على الابتكار
ما يميز فوت ليس فقط شجاعتها، بل فضولها العلمي وقدرتها على التفكير النقدي. هذه سمات أي عقل مبدع. أحيانًا، لا تحتاج لتقنيات معقدة أو تمويل ضخم لتبتكر، بل تحتاج إلى عقل حر لا يخاف السؤال.

3.     واجه التحيزات بالصبر والثبات
لو أن فوت سمحت لتحقير الآخرين أو لتجاهلهم أن يحبطها، لما وُجد هذا الاكتشاف أصلاً. كل شخص يسعى لتحقيق ذاته سيواجه أشكالًا من التهميش أو التقليل من قدراته، لكن الثقة بالنفس والاستمرار رغم كل شيء، هما ما يصنع الفرق.

4.     الاعتراف قد يتأخر، لكن القيمة لا تضيع
الاعتراف الرسمي قد لا يأتي في الوقت الذي نستحقه، لكن ما نصنعه بإخلاص يبقى اليوم، وبعد أكثر من قرن، يُعاد الاعتبار ليونيس فوت ويُكتب اسمها بأحرف من نور في تاريخ علم المناخ. ما نبنيه اليوم بصمت، قد يُحدث ضجيجًا في المستقبل.

 

لماذا علينا أن نتذكّر يونيس فوت اليوم؟

 

لأننا نعيش في زمن تواجه فيه البشرية أزمة مناخية حقيقية، ولم تعد تحذيرات العلماء مجرد تنبؤات بل أصبحت وقائع ملموسة. وفي الوقت نفسه، نعيش لحظة تحول عالمي في تمكين المرأة، وفي تصحيح أخطاء الماضي. قصة فوت تقع في تقاطع هاتين القضيتين: العدالة المناخية والعدالة الجندرية.

 

الاعتراف بها ليس مجرد إنصاف تاريخي، بل دعوة لكل فتاة وكل شاب يسعى لتطوير ذاته، ألا يرضخ لما يُقال له "غير ممكن". فربما يحمل في قلبه فكرة ستغير العالم، حتى لو تجاهله العالم في البداية.

 

لأن في حياة كل واحد منا لحظة نشعر فيها بأن الجهد الذي نبذله لا يُرى، أو أن العالم لا يُصغي لصوتنا.

 

لكن إن كان هناك درسٌ من قصة يونيس فوت فهو أن القيمة الحقيقية لما نفعله لا تقاس بلحظة الاعتراف، بل بصدق النية وإخلاص الفعل.

 

وعندما يتلاقى الشغف بالعلم مع العزيمة على تخطي الحواجز، يمكن أن يُكتب اسمك في التاريخ… حتى لو تأخر الاعتراف بذلك قرنًا من الزمان.

 

✍️ بقلم: أمجد قاسم

X@amjad

مدونة إضاءات | للتنمية الذاتية والمعرفة

 

اقرأ أيضا

 

ما سرّ اختيارنا لنفس المقعد دائمًا؟ التعلّق المكاني من منظور علم النفس

قصة الفئران والتاجر الغريب: دروس في الطمع والربح السهل

لماذا نخفض صوت الراديو في السيارة عند الشعور بأننا دخلنا الطريق الخطأ؟

ملخص كتاب "لا تفسد عبقريتك!" - كيف نصنع العبقرية؟

لا تنتظر الوقت المثالي... اصنعه بنفسك

لماذا نتثاءب إذا تثاءب من بجوارنا؟ عن عدوى التثاؤب وسلوك الدماغ الاجتماعي!

الإيماءات الخفية: لماذا نحرك أيدينا عند التحدث عبر الهاتف رغم أن لا أحد يرانا؟

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادعم إضاءات بالتعليق على المواد المنشورة واعادة نشر موادها في شبكاتكم الاجتماعية
سيتم نشر التعليق بعد الاطلاع عليه

Post Top Ad

الصفحات